زحمة!

محمد الأهدل ـ اليمن

TT

أتذكر أني قرأت طرفة وردت على لسان أحد المسؤولين اليمنيين، وهي انه في مطلع السبعينات من القرن الماضي أرادت الحكومة في الشطر الجنوبي من اليمن تطوير جزيرة سوقطرة، فأحضرت سيارتين الى الجزيرة التي تبلغ مساحتها 3650 كم مربعا، اي خمسة اضعاف جزيرة البحرين تقريبا. وبعد أسبوع واحد فقط تصادمت السيارتان. تخيلوا سيارتين فقط في تلك الجزيرة المترامية الأطراف تصطدمان بعد أسبوع واحد. والسبب في ذلك الحادث ان إحدى السيارتين كانت تعمل بالنظام الانجليزي، اي ان مقودها كان على الجهة اليمنى فيما كان مقود الأخرى على اليسار. ما أود قوله، اننا «شعب زحمة»، فاذا اراد شخصان منا ان يستقلا حافلة، فانهما يحدثان زحمة ربما تستمر ربع ساعة إن لم يكن اكثر، ولو ان أحدهما سمح للآخر بالدخول أولا لما حدثت المشكلة من الأساس، ويقال لمن أراد ان يظهر نفسه بأكبر من حجمه في اليمن «أنت تشتي تسوي لنفسك زحمة والسوق فاضي!».

وحتى أنا، عندما أسير وحيدا في الطرقات المظلمة ليلا أحدث زحمة وضوضاء وأصدر الأصوات العالية وأركل العلب الفارغة التي اجدها أمامي، حتى أطرد الخوف عني، وأوهم نفسي بأن الشارع فيه أناس غيري، وهم الذين يحدثون تلك الجلبة والضوضاء في الطريق الذي لا يوجد فيه سواي. فبالله عليكم ما الذي سيحدث لو اننا سيرنا أمورنا بترتيب ونظام بعيدا عن الفوضى والعشوائية؟ وهل اذا فعلنا ذلك سنخسر شيئا؟ الشخصان اللذان يتزاحمان عند مدخل باب، ما الذي سيصيب أحدهما لو انه سمح للآخر بالدخول قبله؟ انه بالتأكيد سيكون اكثر أمانا من حالة تزاحمهما، والسيارتان اللتان تصادمتا في جزيرة سوقطرة كنت اتوقع انهما لن تقتربا من بعضهما بعضا في الجزيرة إلا بعد خمس سنوات على اقل تقدير، نظرا لاتساع مساحة الجزيرة، لكن حدث ما لا يتخيله أي عاقل، فقد بلغت نسبة الحوادث المرورية في جزيرة سوقطرة قبل تصادم السيارتين نسبة صفر%، وهي تعتبر اقل نسبة في العالم، لكن بعد تصادمهما ارتفعت نسبة الحوادث المرورية في الجزيرة من صفر الى 100%، إذ ارتفعت خلال ثوان فقط، وهي أعلى نسبة في العالم، فهل يُعقل هذا؟! ربما أي يمني يقرأ ما كتبت آنفا سينزعج ويتهمني بجلد الذات، لكن هذا واقع، وهذه المشاكل لا يعاني منها اليمن فقط وإنما أغلب دول العالم الثالث!