سيجارتي!

هيثم مظلوم ـ دمشق

TT

لم أفكر ابدا بان سيأتي يوم احمل بين اصابعي ـ السيجارة ـ التي كنت اهرب من دخانها دائما، حدث ذلك حين قامت ادارة مدرستنا الثانوية الزراعية بتحديد موعد رحلتها العملية السنوية، فبينما كنت وصديقي في السوق نشتري الحاجات التي ستلزمنا في الرحلة رأينا على بعد ولدا صغيرا بيده علب سجائر ويصيح بأعلى صوته «بول مول.. فايسوري.. مارلبور» في تلك اللحظة تبادلت وصديقي النظر الى بعضنا فكان تفكيرنا واحد، اشترى كل واحد منا علبة دخان، ثم اشعل كل منا سيجارته، منذ ذلك الوقت احببت السيجارة، بل عشقتها، لماذا؟ لا اعرف، لم اعرف ان ذلك الحب يحمل بين مراحله مطبات وحفر توجعت منها كثيرا فقد اضطررت ان اكذب على والدي تارة وعلى والدت تارة اخرى، لكي احصل منهما على ثمن علبة الدخان، ثمن ذلك الحب العجيب، بحجة حاجيات مدرسية لا تلزمني او حاجيات كنت امتلكها فأعاود شراءها، كذبا على اساس اني لا املكها، وذات مرة دعيت الى سهرة بسيطة فكرت أن وجب عليَّ حضوري السهرة، لن يحلو من دون ان احمل علبة دخاني، فكيف الحصول عليها ايها المنحوس؟ هكذا فكرت حتى مضيت ذلك اليوم، وتوصلت الى نتيجة وهو ان اطلب من أحد اقربائي المقربين ثمن علبة الدخان، في ذلك اليوم تأخرت عن السهرة حوالي الساعة كنت احوم حول قريبي، احاول ان اطلب منه، اتردد، سأطلب، ثم اتردد، سأطلب، واخيرا طلبت وحصلت منه على خمسين ليرة سورية واعدا اياه بإيفائها قريبا، وقد انتظرني كثيرا ولكن لا حياة لمن تنادي.

هكذا مرت بي الايام وحبي الابدي يرافقني، الى ان قررت ان اعمل الى جانب دراستي، بذلك دست على كل ما يعوقني للحصول على سيجارتي ومسحت المطبات وملأت الحفر الى ان خطر لي يوم ان اترك الدخان، لكن بينما كنت اتمشى في احد اسواق دمشق وانا عازم على ترك سيجارتي، توقف نظري على امرأة ناعمة، رشيقة، كانت جالسة الى طاولة ناعمة مثلها في كافتيريا فخمة جدا، خلفها حائط بلوري، ورأيتها تحمل بين اناملها حبي الابدي، سيجارتي.. آه سيجارتي التي قررت تركها، وقتها وفي تلك اللحظة وعدت سيجارتي الا اتركها ما دامت هناك امرأة في العالم تدخن وما دامت هناك امرأة تحمل بين اناملها حبي الابدي!