لون عيونك.. غرامي!

فاطمة أحمد آقبيق ـ دمشق

TT

رنات الجرس المتلاحقة وطرقات الباب دائماً تعرفني من هو القادم..

دخل ابني برائحته المتميزة، والتي تعني أنه قادم من مدرسة الأولاد.. هذه الرائحة لها علاقة بالشنكليش السوري او بالمش المصري..

دخل ولدي بسرعة وأحاديثه ومغامراته اليومية تسبق دخوله، وأنا أحاول بعقلي «الذي هو من اصدارات منتصف الستينات» أن استدرك بسرعة سيل معلوماته المتدفقة والكم الهائل من نكاته وآخر مقالبه مع أساتذته.. فجأة وجدت نفسي اتمعن في هذا الوجه الذي غزت بعض الأوبار الطائشة العشوائية طرفي شفته العليا فباتت وكأنها مشروع عربي لظهور شنب بموديل صيني حاليا.. وبصيغة عربية مخالفة للجاذبية الأرضية مستقبلاً.

طبعا نحن النساء عندما نرمق بنظرنا فإننا نرمق بسرعة من الأعلى نحو الأسفل بخلاف الرجال الذين يرمقون من الأسفل نحو الأعلى مع التمعن البطيء والمركز عند النقاط التي تحدد مفاهيم الجمال..

أعود لولدي الذي وصلته نظراتي له نحو الأسفل فوجدت جرابين.. «لن اتحدث عن الرائحة» وقد خرج إبهام قدمه من ثقب جرابه كخروج المعتقل من معتقله، مع بقاء ملفه مفتوحاً وضمان عودته.. قائماً! عدت أدراجي بنظراتي المتفحصة وبسنواتي الماضية وكأنني أتلمس طفلي ذا العينين الزرقاوين وهو يغازلني ويستدرجني برموشه السوداء التي تشبه سيوف مسلسل الكواسر، فباتت ضحكاته وحركاته قد أجدت نفعا في استدراجي لأعانقه وأشتم رائحته الطفولية التي تنساب في القلب كانسياب الماء العذب في غدير.. ولكن مهلاً، رائحته كرائحة المخلفات الطفولية اليومية.. لقد انطلت علي حيلتك يا غضنفر.. يا نور عيوني وبهجة قلبي.. أغازله بكلماتي وبيدي خرقة تمسح خلفيته المنتفخة.. (هذا من فوائد الإرضاع الطبيعي) ولا زالت عيناه ترمقاني ولا زلت ابخ عليه من فيض عاطفتي وأمومتي بكلمات «يسيل لها الأنف وتسبب إسهالاً معوياً لا يحتاج لمضاد حيوي» لأنهي مهمتي مع ربط فوطته القماشية (اختراع البامبرز لم يكن بمقدور الموظف شراءه لأن حبيبي أبو غضنفر موظف بسيط جداً وشريف و.... ) أعود فأقول: المهم ما أن انتهيت من ربط فوطته القماشية حتى اسدلت جفونه ودخلت سيوف رموشه أغمادها.. نمت يا نور عيوني..؟ نمت يا حبيبي...؟

استيقظت من ذكرياتي وقد نام ولدي الشاب ذو العينين الزرقاوين على الأريكة مع أنغام «لون عيونك غرامي» لنانسي عجرم.. آه منك يا نانسي، ذهبت لإطفاء التلفزيون فإذا بصرخة طرزانية من زاوية الغرفة إنه زوجي الحبيب يقول:... ليش؟.. خلي الولد نايم على الغنية.. يا سادة: أنا متأكدة أنني سأتحفكم بيومياتي كزوجة..