كل الحق على المقاهي!

محمود عبد الإمام ـ مصر

TT

منذ بدايات القرن العشرين وحتى نهاية حقبة السبعينيات ـ والتي شهدت ذروة الإبداع الأدبي والفني في مصر ـ كانت المقاهي «منتدى ثقافيا» يؤمه الشعراء والأدباء والمفكرون والرسامون والنحاتون. يأتون من أنحاء شتى ليجتمعوا في مقاه استمدت شهرتها و قيمتها من ارتباطهم بها. فيعد الواحد منهم عُدته ليقدم أفضل ما لديه من نتاجات فكرية يعرضها على الآخرين الذين ينقسمون بدورهم بين من يؤيد ومن يعارض إلا أنهم يشتركون جميعا في التعبير.

أيضا فقد كان الناشرون دائما ما يذهبون الى هذه المقاهي «المنتديات» للحصول على آخر إبداعات هولاء المثقفين ويسارعون إلى نشره لإرضاء قارىء متلهف إلى كل جديد أدبي.

أما بالنسبة لصاحب المقهى، فقد كان عنصرا مشاركا بدوره في تلك العملية الإبداعية من خلال ما يوفره لهولاء المثقفين من جو ملائم للتفكير والإبداع. وكم من مفكر أو أديب أثنى في كتاب أو عمل أدبي له على شخص و صفه بأنه «ذو دور مؤثر في حياتي» و كثيرا ما يكون هذا الشخص هو صاحب المقهى الذي كان الأديب أو المثقف يرتاده يوما ما.

إلا أن سنن التغير التي لا تدع شيئا على حاله قد حلت على المقاهي مثلما تحل على غيرها. فانقلب الحال رأسا على عقب. وتحول المنتدى الثقافي «المقهى» الذي كان يضج يوما بمشاعل الفكر والثقافة والفن إلى «ساحة» لإيواء حملة المؤهلات العليا العاطلين عن العمل جنبا إلى جنب مع من تقدمت بهم السنون وأهل الحرف.

وبالرغم من أن التأثير متبادل بين الأوضاع الاقتصادية والأوضاع الاجتماعية إلا أن عوامل الاقتصاد غالبا ما تكون هي البادئة بالتأثير. فالوضع الاقتصادي السيئ الآن قد أثر بدوره تأثيرا عكسيا على النواحي الاجتماعية.

فإذا أخذنا في الاعتبار ما لدى الشباب من طاقات لابد من تفريغها يصبح بمقدورنا أن نفهم أسباب زيادة أعداد الشباب الذين يرتادون مقاهي أصبحت تخلو إلا من «أنشطة» التدخين و مشاهدة التلفاز فضلا عن الصخب و السُباب. هذا هو عين ما يجعلنا اليوم نواجه شباباً مُعتلاً صحياً و مُغيَباً ذهنياً.