موهبة ضائعة

TT

كلما دخلت ذلك الفصل الدراسي، ترتسم ملامح القلق والتوتر على وجه الطالب المتروك وحده في الزاوية في الصف السادس الابتدائي، يخفي اوراقه بارتباك ثم يعود ليحدق بي على عجل.. اقوم باقحامه في الدرس.. يستجيب احيانا فيبدد الحياء بنظرات زائفة، يستعيض بها عن نظرات الطلاب واسئلتهم الملحة بألف استفهام عن سر اهتمامي به.

اعيش اجواء الدرس بكل انفعال، وابدو احيانا منهمكا بعملي لعلي استطيع ان اترك له فرصة للخروج من عزلته، وعندما اتغافل عنه يخرج كراسة رسم تبدو مليئة بالرسومات اكاد اميز بعض ملامح وجوه مكسرة.. اتركه يقوم بتحريك الالوان بخفة ولياقة فنية، ثم انشغل بالطلبة الآخرين في تصحيح واجباتهم.

اليوم تجرأت وحاولت ان استرق النظر نحو ما يرسم.. رأيت الملامح اكثر وضوحا، اكثر من صمته كانت حكمة ذلك الطالب هي ما تذهلني، فمع اجواء الفوضى السائدة في الصف في آخر ساعة وآخر يوم من الاسبوع اجده يحتمي خلف حكمة الصمت متلبسا بنظرات استجداء لأترك له فرصة ليمارس هوايته ربما كان سيفتقدها لولا حرصه على امتلاكها، او لنقل، الرغبة الجامحة هي التي ابتزته على ممارسة هوايته في هذه الظروف.

وكأي مدرس يلتحق بعمله الجديد ابقى دائما في يقظة وارتباك لأبحث عن الطلبة المتميزين وكان هو اولهم، ثم حاولت مثل كل اولئك المكتشفين الجدد ان اشجعه على الرسم حين بدأ يطمئن اليَّ.. وفي لحظة زهو بدأت ابحث عن مدرس التربية الفنية لأروي له ظمأ اكتشافي الباهر، لكن الاجابة التي اخترقت وجهي كالسيف هي تلك التي جاءتني من المشرف العام: ان المدرسة لا يوجد بها مدرس تربية فنية! أحمد بن عبد الكافي الحمادة ـ الرياض