لا تسرع يا بابا

TT

في احد مشاهد الفيلم تظهر مجموعة من الناس في مراسم دفن والد الممثل الرئيسي فيه، الذي يموت في حادثة سير. استرعى انتباهي اصرار ابني ذي الاعوام السبعة على اعادة مشاهدة ذلك الفيلم مرات عديدة لدرجة انني ضقت ذرعا به فوبخته ظنا مني انه مجرد اجترار طفولي، لا مسوغ له. لكن ولدي لم يمتثل لأمري مستجديا الاعادة ولمشهد الدفن حصرا، فما كان مني الا ان قررت الجلوس الى جانبه، في احد طقوس الاعادة، لمتابعة مراسم الدفن، علني اكتشف السر. طوقت يديه الصغيرتين بقوة يدي دونما استئذان، فوجدت يدين غضتين باردتين مرتعشتين. نظرت الى محياه الاخاذ في عرف فؤادي، فإذا به شاحب مكفهر، كأنما انتابه رسم جديد يختلف عن تلك الملامح البريئة المشرقة التي طالما سكبت التفاؤل والسكينة بين جوانحي، وقبل ان انبس ببنت شفة، بادرني بسؤال اندفع كالشواظ من بين شفتيه: هل ستموت يا أبي؟! لم تقو شفتاي على الحراك من هول السؤال غير المتوقع، فأردف مستغيثا بحزم: لا.. لا اريدك ان تموت يا بابا.

خارت قوة يدي بفعل سطوة يديه المطبقتين بإحكام، وكادت ان تفضح دقات قلبي المتسارعة دمعة ساخنة لا قبل لفلذة كبدي بها، في عيني ابيه المتماسك على الدوام. وددت لو اقول لولدي إن الموت حقيقة غير قابلة للنقاش، بل هي سنة الله عز وجل في الارض، ولن تجد لسنة الله تبديلا..

غادرت الغرفة وقد عقدت العزم على كتابة سطوري المتواضعة هذه، علّ الذكرى تنفع كل من يهم بقيادة «سيارة» فيتوخى الحذر والروية، ثم يستودع امره الله الذي لا تخيب ودائعه.

محمد جوان رشواني ـ سوريا