لهجاتنا المحلية!

TT

كان لي صديق صدوق التقيته في القاهرة قبل اثنتي عشرة سنة. تجاذبنا الحديث كعادتنا، فيما كان ينكر علي تمسكي بلهجتي المحلية ـ رغم إقامتي الطويلة في العاصمة.

لم يدهشني تصرفه فقد كان باحثا لغويا يعلم من لهجتنا المحلية ما نجهله نحن.

تمر الأيام ونلتقي في بلد آخر، ولا أجد لديه ذلك اللسان العربي الذي يقطر علما وأدبا، انتظرت أن يقوِّم لغتي واعوجاج ألفاظي ولكن ما وجدته لديه هالني وأهال فوق رأسي عشرات الأسئلة: أين ذهب اللسان العربي؟ ولماذا لم يحدثني بلهجة عربية؟ ما زلت أذكر أول لقاء بيننا، فبعد الترحاب دلفنا الى مجلسنا في داره، واذا به يستدعي سائقه قائلا: (سمسم هذا سيارة جيب)! وبالطبع لم أفهم ما يقصد، لكنني قلت في نفسي: «ربما يحدث سائقه بلغته»، فهو يتحدث أكثر من لغة، لكن ما استوقفني بعد لحظات أنه كان يشير لشيء في يده فذهب السائق وعاد بما يشبه ما كان يحمله، ثم دخل بعد ذلك عامل يحمل القهوة العربية والتمر فقال صديقي له: انت روح سيدك بطحه، تكييف خربان، انت كلام سيدك ما في فلوس كتير، انت معلوم؟) أجاب العامل مبتسما: معلوم، وانصرف. فتساءلت عن هذه اللغة فأجابني بمفاجأة قائلا: (أنت ما في معلوم)؟! قلت: ماذا؟ فقال ببساطة: يا أخي نحن نتحدث العربية! كدت أسأله: أية عربية؟ فنحن في مصر نطلق على السيارة اسم «العربية» بلهجتنا المحلية، فضحك وأخبرني أنها اللهجة التي يتحدث بها مع العمال الآسيويين ـ وقال انه يعلمهم لغتنا فسارعت بالقول: من يعلم من؟

بعد فترة من الصمت عاد صديقي إلى لغته العربية ثم راح يشرح لي قائلا انه عانى كثيرا من مجتمعاتنا التي باتت تتحدث تلك اللغات ـ فالزوجة تتحدث بلسان خادمتها، والزوج يتحدث بلسان سائقه، ثم قال آسفا: اللغة كائن حي ينمو بالتداول أو يقتل بالتجاهل. سألته: وما الحل؟ فقال وهو الخبير باللغة واللهجات: اشرب القهوة! محمد مطاوع ـ الرياض