هل تساعد الانتخابات المقررة في مصر على لملمة الأوضاع؟

نعم - الشعب مصدر السلطات.. والديمقراطية أفضل آلية لحل الخلافات المجتمعية بسلام

TT

الأصل في النظم الديمقراطية أن تكون السيادة للشعب، وأن يكون هو مصدر السلطات، وأنه هو الذي يختار حاكمه ونوابه في انتخابات حرة نزيهة، وأنه هو الذي يمنح نفسه دستوره؛ الذي يحدد فيه هويته ومنهج حياته ونظام حكمه، والعلاقة بين مؤسساته وبين الحكومة والشعب.

والدولة حتى تكون دولة ديمقراطية مستقرة لا بد أن يكون لها دستور ومؤسسات دستورية كاملة (رئاسة، حكومة، برلمان، سلطة قضائية). والديمقراطية هي أفضل آلية وصل إليها البشر لحل الخلافات المجتمعية بسلام.

في ضوء ما سبق فإن ثورة الشعب المصري في 25 يناير (كانون الثاني) 2011 أسقطت الدستور وكل المؤسسات الدستورية التي أقيمت على أساس الزيف والتزوير مع إسقاط رؤوس النظام، ومن ثم كان لا بد من إعادة بنائها في خلال فترة انتقالية محددة على أساس سليم؛ حتى تستقر أوضاع البلاد وتتجه نحو الإنتاج والتنمية والعدالة.

بدأ الأمر بإعلان دستوري مؤقت تم الاستفتاء عليه، ووافق عليه أكثر من 77% ممن أدلوا بأصواتهم، وكان هذا توجه الإسلاميين. وبدأ الناس يستعدون للانتخابات البرلمانية، إلا أن العلمانيين والليبراليين واليساريين ظلوا يطالبون المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتأجيل الانتخابات سنة أو سنتين، بدعوى أن «الإخوان المسلمين» جاهزون للانتخابات، وهم غير جاهزين، رغم أن «الإخوان» كانوا مطاردين وملاحقين ومعتقلين ومقيدين في ظل النظام السابق، وكان الآخرون في ظروف أفضل بكثير.

وجرت الانتخابات البرلمانية وفاز الإسلاميون بنحو 77% من مقاعد مجلس الشعب، وأكثر من 80% من مقاعد مجلس الشورى. وتم انتخاب جمعية تأسيسية لوضع الدستور، وأجريت الانتخابات الرئاسية، وفاز بها الدكتور محمد مرسى رئيس حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين. وقبل إعلان النتيجة حل مجلس الشعب بحكم قضائي غريب وعجيب، وغدت البلاد بغير سلطة تشريعية ورقابية، وذهبت القوى العلمانية والليبرالية واليسارية تحاول حل مجلس الشورى أيضا، وحل الجمعية التأسيسية بأحكام قضائية مسيسة لتعطيل إنجاز الدستور، وإحداث حالة من الفراغ من المؤسسات الدستورية تمهيدا لإسقاط الرئيس الإسلامي المنتخب. وعندما عجزوا عن ذلك انسحبوا من الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، ورغم ذلك صدر الدستور ووافق عليه الشعب وتم تحصين مجلس الشورى.

وكان لا بد من إعادة انتخابات مجلس الشعب (الذي سمي مجلس النواب في الدستور الجديد)، وكان الطبيعي أن يرحب خصوم الإسلاميين وعلى رأسهم جبهة الإنقاذ بالذهاب إلى صناديق الاقتراع لإثبات شعبيتهم، واحترام إرادة الشعب وقواعد الديمقراطية، وحتى يشكلوا الحكومة في حال فوزهم بأغلبية مقاعد مجلس النواب، ومن ثم يطبقون برنامجهم ويثبتون للناس كفاءتهم. إلا أنهم – للأسف الشديد – طلبوا تأجيل الانتخابات مرة أخرى رغم مرور أكثر من عامين على الثورة، وهذا الطلب مخالف للمادة 229 من الدستور التي توجب إجراء الانتخابات خلال ستين يوما من تاريخ العمل بالدستور، وراحوا يسوقون الحجج والأعذار الواهية لتبرير هذا الطلب غير الدستوري، فتارة يتكلمون عن ضمانات نزاهة الانتخابات. وحينما دعاهم الرئيس لحوار حول هذه الضمانات امتنعوا عن الحضور، وتم الإعلان عن الموافقة على كل الضمانات المطلوبة من حماية اللجان بالجيش والشرطة، وإشراف قضائي كامل على كل الصناديق، والسماح بحضور مندوب عن كل مرشح، والسماح بمراقبة منظمات المجتمع المدني والصحافة والإعلام، ومراقبة المنظمات الخارجية التي تطلب ذلك، وتحديد حد أعلى لمصروفات الدعاية الانتخابية، وتوزيع أوقات الدعاية في الإعلام الحكومي بالعدل، وفرز الصناديق داخل كل لجنة انتخابية وفى حضور المندوبين، وتسليم كل منهم صورة من نتيجة الفرز، وتعليق نسخة على باب اللجنة، وفرض احترام فترة الصمت الانتخابي.

ثم عادوا يطالبون بإقالة الحكومة وتشكيل حكومة وحدة وطنية لتحقيق نزاهة الانتخابات، والحكومة منذ قامت الثورة لم يكن لها دخل بالانتخابات إلا توفير الخدمات «اللوجيستية» فقط، وإنما تدير اللجنة العليا للانتخابات العملية الانتخابية بكاملها؛ بدءا من تنقية الجداول وتسليم نسخ منها للمرشحين، وحتى إعلان النتيجة. كما أن الشعب المصري بإيجابيته المشهودة منذ قيام الثورة خير ضامن لهذه النزاهة، إضافة إلى أن الإسلاميين لا يزورون لأنهم يؤمنون بالحديث الشريف «من غشنا فليس منا».

وأخيرا وليس آخرا، طلبوا إقالة النائب العام، والقصاص للقتلى، وهي أمور لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالانتخابات ونزاهتها.

ولقد اجتمعت جبهة الإنقاذ وقررت الانسحاب من المشاركة في الانتخابات ترشيحا وتصويتا، في الوقت الذي تمد فيه غطاءها فوق أعمال الفوضى والتخريب والحرق في طول البلاد وعرضها، وتدعو إلى العصيان المدني، وتحرض الجيش على العودة لإدارة البلاد بما يتضمنه هذا التحريض من دعوة ضمنية لإسقاط نظام الحاكم الإسلامي الذي جاءت به صناديق الانتخاب.

هذا الموقف في الحقيقة إنما يدل على خوف من الديمقراطية، ويقين من ضعف الشعبية، وهروب من الفضيحة، وعدم احترام لإرادة الشعب، ورفض للقواعد السلمية لتداول السلطة، ورغبة في الاستيلاء عليها بوسائل العنف.

ولكن رغم الموقف الحاسم بمقاطعة الانتخابات؛ فإنني لا أستبعد تسلل عدد من أحزابهم أو أفرادهم للترشح فيها رغبة في الحصول على بعض المقاعد أو استجابة لـ«العم سام». وهكذا يتضح للجميع من الذي يحرص على أمن مصر وإعادة بنائها وتقدمها، ويحترم الشعب والديمقراطية، ويؤمن بالتداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع؛ ومن الذي يريد أن يصل إلى السلطة ولو على أطلال البلاد – لا سمح الله لهم بذلك.

* المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين