هل القوى الإسلامية هي المسؤولة عن حالة انعدام الثقة في الشارع؟

لا - إطلاقا.. بل فتشوا على الذين تمترسوا وراء فكرة الرفض ووضعوا الشروط التعجيزية

TT

لم يكن قرار بعض الأحزاب بمقاطعة الانتخابات البرلمانية التي تمت الدعوة إليها كاستحقاق دستوري مفاجئا، حيث جاء استكمالا لجملة من السياسات لأحزاب جبهة الإنقاذ، تمترست حول فكرة الرفض والإنكار والمقاطعة والتشكيك في كل شيء، وإملاء شروط تعجيزية للحوار الوطني، عبر الفضائيات أملا في إذعان واستسلام باقي القوى السياسية لإرادتهم، وإلا كانت الفوضى والعنف بهدف إسقاط النظام الشرعي المنتخب، أو خلق حالة تفضي لتدخل القوات المسلحة في المشهد السياسي، والانقلاب على الشرعية، التي ترتبت علي العملية السياسية والتي أشرف عليها الجيش بنفسه.

ورغم خطورة كل هذه السيناريوهات على مصر وعلى الجيش الذي خرج من السلطة بكرامة وشرف وسط احترام العالم كله، إلا أن أصدقاءنا في جبهة الإنقاذ لا يزالون بعيدين عن احترام قيم الديمقراطية والتسليم بإرادة الشعب وترسيخ مبادئ تداول السلطة، بل ويشككون في أهلية الشعب الذي يتهمونه دائما بأنه يبيع إرادته وصوته بالزيت والسكر، ويعلقون فشلهم في الوصول للناس على مشجب الأمية.

أزمة المعارضة مع الرئيس المنتخب هي أزمة نفسية لها جذور تتعلق بحالة الاستقطاب الفكري والآيديولوجي الذي صبغ المشهد السياسي المصري لعقود طويلة سادها الإقصاء السياسي للإسلاميين، حيث تحول بعد الثورة إلى صراع على السلطة ترفض فيه أحزاب جبهة الإنقاذ بشكل كامل القبول بنتائج العملية السياسية الديمقراطية طالما أنها كانت في صالح الإسلاميين، ولا تتورع لتحقيق طموحها غير المشروع في القفز على السلطة بسلوك ما يعرف في السياسة بلعبة أو «نظرية المفسد» حيث يستخدم المفسد كل ما يستطيع من عنف في صراعه لمنع خصمه من تحقيق النجاح، وهو ما يبرر موقفهم الرافض لأي استحقاق انتخابي لإعادة بناء المؤسسات الدستورية التي أسقطتها الثورة حتى يكتمل البناء وينتخب الشعب ممثليه في عملية سياسية عادلة.

وحالة الانقسام الموجودة حاليا لم تنشأ مع وصول أول رئيس منتخب من «الإخوان المسلمين»، ولكنها نشأت بعد نجاح الثورة عندما برز الصراع حول الدستور أولا أو الانتخابات أولا، وهو الصراع الذي كشف عن تكتيكات هذه القوى التي تريد تكوين لجنة معينة من المجلس العسكري لكتابة الدستور، ولا تريد جمعية دستورية منتخبة من الشعب على درجة أو درجتين لكي تكتب دستورا يستند لمشروعية شعبية، ومن هنا بدأت أزمتهم مع الاستفتاء الأول في 19 مارس (آذار) 2011، واستمرت مع كل استحقاق انتخابي كانوا يطالبون بتأجيله بدءا من انتخابات مجلس الشعب السابق ومرورا بالشورى والانتخابات الرئاسية وانتهاء بالاستفتاء على الدستور في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، كل مناسبة منهم مرت بجملة من الأزمات، فالشعوب تناضل من أجل أن تشارك في الانتخابات الحرة، وهؤلاء يناضلون لمنع وإعاقة هذه الانتخابات رغم أنه لا يوجد بديل آخر غير الانتخابات لإعادة التأسيس.

وعلى الرغم من التسرع في اتخاذ جبهة الإنقاذ لقرار مقاطعة الانتخابات النيابية قبل جلسة الحوار الوطني، التي أذيعت على الهواء الثلاثاء 26 فبراير (شباط)، لمناقشة مقترحات كل الأحزاب حول ضمانات نزاهة الانتخابات، فإنه من شبه المستحيل أن تلتزم الأحزاب المنضوية في الجبهة بهذا القرار الذي أتوقع سقوطه عمليا خلال الأيام القادمة بعد الإعلان رسميا عن فتح باب الترشيح، بل إن الأحزاب التي ستصر على المقاطعة ستتفكك، وتشهد الكثير من مظاهر التمرد والاستقالات بداخلها، خاصة أن القانون قد فتح الباب أمام المستقلين لتنظيم أنفسهم وتشكيل قوائم خاصة بهم وهم لا يحتاجون بالضرورة لتفويض من أحزابهم.

يجب أن يكون واضحا أننا جميعا نريد انتخابات عادلة تليق بمصر وثورتها، فالانتخابات تجري تحت إشراف قضائي كامل على أربع مراحل لإحكام السيطرة وزيادة عدد اللجان الانتخابية لتخفيض الكثافة، من أجل لملمة الأوضاع في مصر، نحو مزيد من الاستقرار وعودة الأمن والأمان إلى الشارع المصري، وهو أمر يطلبه الجميع، وتجرى الانتخابات كما هو معلوم، تحت حماية الشرطة والقوات المسلحة، وسط متابعة عشرات الآلاف من المراقبين من الداخل والخارج، فضلا عن وسائل الإعلام ورقابة الشعب نفسه الذي يشارك بكثافة غير مسبوقة، ولا يوجد أي منطق سياسي لمقاطعة الانتخابات إلا خوف هذه القوى من اكتشاف الناس في الداخل والخارج لأحجامهم الحقيقية.

وبينما تستعد الأحزاب والقوى السياسية لخوض الانتخابات النيابية يحدوها الأمل في تحقيق آمال الشعب، يستعد البعض الآخر لتخريب الانتخابات تارة بأعمال إجرامية تتمثل في محاولة تخريب المؤسسات أو تعطيلها عنوة ويسمون هذا عصيانا مدنيا!! وتارة أخرى بإساءة استخدام الحق في التقاضي وإشغال المحاكم بالطعن على كل شيء شعارهم في ذلك «لن ندع شيئا يمر» ومع ذلك فإن هناك ثقة كاملة بأن القانون جاء ملبيا لمقتضيات قرار المحكمة الدستورية العليا الخاص بالرقابة المسبقة مما يجعله محصنا من الطعن عليه بعدم الدستورية وفقا للمادة 117 من الدستور، ومن يمني نفسه بحل البرلمان القادم فإنه يضيع وقته ويخطئ الحساب لأن قانون المحكمة الدستورية سينظم ما يترتب على الحكم بعدم دستورية أي مادة دستورية من آثار المادة 178 ولن يكون منها حل البرلمان، فالبرلمانات في العالم كله لا تحل بأحكام محاكم لأنها تمثل سلطة الشعب نفسه.

نظرية «المفسد» فشلت في تحقيق أهدافها في مصر وسيعاقب الشعب المصري في الانتخابات القادمة من أججوا النيران وأشعلوا الحرائق, كما أن المحاولات الأخيرة والمتعاقبة لتحريض القوات المسلحة على العودة للسيطرة على الحكم، واعتبار ذلك واجبا وطنيا!! تكشف عن مدى ديكتاتوريتهم وبعدهم عن الشعارات التي كانوا يتشدقون بها عن حكم الشعب والديمقراطية.

المؤسسة العسكرية سلمت بكل احترام الحكم لسلطة منتخبة كما وعدت من اليوم الأول، لأن هذه المؤسسة، التي رأت كيف جرى التآمر على جيش العراق وكيف جرى تقسيم الجيش السوري، تدرك أن هذه المؤسسة مستهدفة ولكونها مؤسسة محترفة تدرك أهداف ونيات من يحرضون الآن على ضرب الجيش بالشعب. ومع ذلك فإنني أتمنى أن يعود زملاؤنا وشركاؤنا لجادة الصواب ليدركوا أن مصر تحتاج لجهود الجميع وليس لتآمرهم، فلعبة «المفسد» خطيرة لأنها لن تؤدي فقط إلى سقوط أطرافها سياسيا وشعبيا، ولكنها تعيق هذا الوطن الذي بات أمانة في أعناقنا جميعا عن النهوض والإصلاح ومعالجة أوجه القصور والفساد المتراكم والتفرغ للبناء، والفرصة أمام الجميع سانحة للمصالحة الوطنية والحوار الجاد بين كل الشركاء لإنجاح الانتخابات والتقدم للأمام، ولن يحصل حزب بمفرده على أغلبية في البرلمان القادم - بحسب تقديري - مما سيفتح الباب أمام وجود ائتلاف وطني يقود الحكومة في المرحلة المقبلة فليكن الجميع ممثلا وفاعلا ومؤثرا في الحكومة أو المعارضة.

* قيادي في الجماعة الإسلامية -

المستشار السياسي لحزب البناء والتنمية