هل هناك ما يبرر وضع حزب الله اللبناني على قائمة الإرهاب في أوروبا؟

لا -.. والتهديد بوضعه على لائحة الإرهاب جزء من «استراتيجية الردع والتطويق»

TT

غالبا ما تؤيد أوروبا السياسات والمواقف الأميركية في الشرق الأوسط وتتناغم معها.. لكن وضع حزب الله على لائحة الإرهاب هو من شواذ هذه القاعدة. فواشنطن متحمسة بشكل دائم لدفع الأوروبيين إلى اتخاذ هذا القرار، بعدما فعلت هي الأمر نفسه إثر اتهامها الحزب قبل عقود بالمسؤولية عن تفجيرات عدة، سواء ضد جنود أميركيين أو ضد سفارات أميركية في بيروت أو في أفريقيا.. لكن أوروبا بالمقابل لم تعرف الحماس نفسه لهذه القضية. وحتى إنها لم تكن يوما موحدة في التعامل مع هذا الخيار أو في تبرير اللجوء إليه. لذا عندما وجه وزير الداخلية البلغاري التهمة إلى حزب الله بتفجير الحافلة الإسرائيلية في بورغاس في منتصف العام الماضي 2012 قال رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو: «إن ملف إدراج حزب الله اللبناني في اللائحة الأوروبية للمنظمات الإرهابية، مسألة شديدة الحساسية، والمفوضية لا تملك القرار في هذا الصدد وإنما هو قرار يرجع للدول الأعضاء في التكتل الأوروبي الموحد ويتطلب الإجماع». وأضاف أن «إدراج اسم أي طرف في قائمة المنظمات الإرهابية يحتاج إلى مزيد من التفكير والتدقيق، سواء من الناحية القانونية أو السياسية».

لكن الولايات المتحدة ومعها إسرائيل كانتا أكثر سرعة في الاستجابة للتهم البلغارية. فالفرصة بالنسبة إلى الدولتين مواتية ولا يجب تفويتها للانقضاض على حزب الله حليف إيران القوي، وتطويقه وسد منافذ أوروبا السياسية عليه. ولقد كشفت «واشنطن بوست» عن أن «مستشار الأمن القومي الأميركي لمكافحة الإرهاب جون بيرنان حث الدول الأوروبية على اتخاذ إجراءات استباقية هدفها كشف البنية التحتية لحزب الله وعرقلة خطط التمويل والشبكات التشغيلية للتنظيم وذلك من أجل منع وقوع هجمات من جانب الحزب في المستقبل». وأكد برينان أن هذا الهجوم يثبت أن الحزب «يشكل خطرا متفاقما لا على أوروبا فحسب، بل على العالم بأجمعه أيضا». أما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فدعا الاتحاد الأوروبي إلى «استخلاص النتائج بشأن الوجه الحقيقي لحزب الله». وأكد أن «ما أعلنته بلغاريا هو تأكيد جديد لما كنا نعلمه من قبل، بأن حزب الله وأسياده الإيرانيين يديرون حملة إرهاب عالمية عابرة للبلدان والقارات».

كانت فرنسا من بين أكثر الدول الأوروبية تحفظا على فكرة إدراج حزب الله على تلك القائمة، وذلك ليس لأن فرنسا تثق بحزب الله، أو تعتقد ببراءته، أو تصدق نفيه هو وإيران ذلك الاتهام بالتفجير، بل لأن فرنسا الحريصة على نفوذها في لبنان ستجد نفسها إذا وافقت على هذا الاتهام أمام معضلة التواصل مع الحزب نفسه وهو تواصل لا تريد فرنسا قطعه، وأيضا أمام معضلة التعامل مع الحكومة اللبنانية التي تضم وزراء من حزب الله. وهكذا خاب أمل إسرائيل من ضياع الفرصة التي اعتبرتها سانحة.. لكن بلغاريا نفسها لم تقدم بالنسبة إلى أوروبا الأدلة القوية والمقنعة على تورط حزب الله، لا بل واجهت اتهامات وزير الداخلية البلغاري للحزب رفضا من المعارضة البلغارية نفسها، قبل أن تستقيل الحكومة على وقع احتجاجات شعبية واسعة. وانتهى الأمر برفض الاتحاد الطلب البلغاري، لكن قضية إدراج حزب الله على لائحة الإرهاب لم تنته.

لقد اعتقد البعض أن إسرائيل قد تجد في هذه التهمة مبررا لتوجيه ضربة عسكرية إلى حزب الله على أساس أن طاقات الحزب مشتتة بين حملات التحريض عليه في الداخل اللبناني وبين التهديد الذي يتعرض له حليفه النظام السوري، وخصوصا أن إسرائيل تدفع منذ سنوات باتجاه ضربة عسكرية لإيران، وتريد في الوقت نفسه استعادة ما فقدته من قدرة ردع في حرب يوليو 2006، وهي ترى أن الفرصة باتت سانحة لمثل هذه الضربة، لكن الوقائع اللاحقة ذهبت في غير هذا الاتجاه.

ثم إن المعادلات الإقليمية والدولية نفسها لم تسمح بالركون إلى مثل هذا التحليل. وحتى لا يمكن أن نتوقعه في المدى المنظور لا ضد حزب الله ولا ضد إيران، ذلك أن أوروبا غارقة كما هو معلوم في أزماتها الاقتصادية، والولايات المتحدة تريد التفاوض المباشر مع إيران حول برنامجها النووي، ولقد أوكلت إلى روسيا سبل البحث عن «حل سياسي» للأزمة السورية. هذا يعني استحالة التفكير في أي عمل عسكري، أو في أي حرب قد تشعل المنطقة وتجعلها خلافا لأهداف الحرب خارج الضبط والسيطرة، خصوصا أن ما يجري في سوريا من إضعاف للنظام، حليف حزب الله وإيران، لا يكلف الولايات المتحدة ولا إسرائيل أي خسائر أو أي أثمان. وبالتالي، يبعد فكرة الحرب التي قد تورط الدول الغربية في تكاليف لا تريد تحملها، كما ستصبح هذه الحرب أولوية عربية وإسلامية ودولية وإعلامية بدل تلك التي تدور حاليا في سوريا.

إن استمرار حزب الله في التأكيد أنه في حالة مواجهة مع إسرائيل، وأنه سينتقم لاغتيال قائده العسكري عماد مغنية، سيتيح مثل هذه الفرص لاتهامه بالإرهاب.

وعليه، إذا كانت الحرب مع الحزب أو مع إيران مستبعدة في المدى المنظور، فإن البديل الذي تتوافق عليه أوروبا مع الولايات المتحدة هو الردع والتطويق لا أكثر في إطار ما يمكن أن نسميه استراتيجية «تشديد الخناق». أي سد المنافذ السياسية على الحزب والاقتصادية على إيران. لكن هذه الاستراتيجية تحتاج إلى زمن طويل لتحقق أهدافها.. ولا أحد يدري ماذا يمكن أن يحصل من تحولات، أو من تغيير في السياسات إذا طال الزمن.

* أستاذ علم الاجتماع، وباحث لبناني في القضايا الاستراتيجية.