وهل يبقى الحزب إذا سقط النظام السوري من دون خسائر؟

لا -أتوقع أن يتقلص نفوذه ويتراجع.. ولو تمكن من البقاء

TT

أكثر فأكثر يقامر حزب الله بمستقبله ويرهنه ببقاء نظام بشار الأسد. لقد أرسل عددا من نخبة مقاتليه للقتال مع قوات النظام السوري والميليشيات الموالية للأسد ضد الثوار. وفي هذا الدعم المباشر لحكام دمشق استثار سخطا متناميا داخل لبنان. أضف إلى ما سبق أن أرسل أموالا وأسلحة ومؤنا عبر الحدود، بينما كان ينكر أي تدخل من قبله في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا.

بكل وضوح، يشعر الحزب الذي هو أقوى ميليشيا شيعية في لبنان، بقلق كبير إزاء ما يتهدده من خطر في حال سقوط الأسد، ولكن هل سيعني انهيار النظام العلوي في دمشق نهاية حزب الله؟

من دون شك سيكون ذلك السقوط ضربة كبرى للحزب على الصعيدين السياسي والاقتصادي. لقد كان الحزب مدعوما من قبل إيران وملتزما بخطها، بل كان طيلة السنوات الثلاثين الأخيرة رأس جسر إيراني داخل العالم العربي. وعبر حزب الله أتيح لإيران الزعم بأنها طليعة أعداء إسرائيل. ثم إن «الحرس الثوري» كان الجهة التي دربت قيادات الحزب القتالية، بينما تولت سلطات طهران إمداده سنويا بما لا يساوي 100 مليون دولار أميركي إلى جانب ترسانة ضخمة من السلاح. وفي حين أن معظم هذا السلاح كان يشحن إلى الحزب عبر سوريا، كان نظام الأسد - الحليف القديم لإيران - يرى في الحزب عمودا أساسيا في استراتيجية فرض نفوذه على لبنان.

وبالتالي، إذا قطع خط الإمداد الرئيسي بنتيجة انهيار نظام دمشق، ستجد إيران صعوبة في مواصلة إمداد حزب الله بما كفل له أسباب القوة الهائلة التي يتمتع بها راهنا. صحيح سبق لإيران أن حاولت مرة أو مرتين استخدام البحر لتزويد الحزب بعض ما يحتاج إليه، مهربة أسلحة داخل سفن، لكن اعترضت غير مرة هذه السفن، ومن المؤكد أنها ستعزز دوريات الرصد والاعتراض لمنع تكرار التهريب بحرا.

ولكن، في المقابل، مع أن حزب الله يعتمد كثيرا على دعم سوريا وإيران، فهو في الأساس تنظيم لبناني. أعضاؤه من أبناء الطائفة الشيعية اللبنانية، ولقد بنى عمليا دولة له داخل الدولة اللبنانية، ناهيك بأنه يمسك بميزان القوى في تشكيلة الحكومة اللبنانية الحالية. ثم إن الحزب حاز على نصيب لا بأس به من الاحترام والدعم لدوره في التصدي لإسرائيل خلال حرب 2006 القصيرة والدامية. وبناء عليه، حتى إذا حيل دون الحزب وحصوله على إمداد عسكري إضافي، فإن هذا لن يغير شيئا في حقيقة كونه لا يزال ميليشيا قوية جدا داخل لبنان، وبالذات في جنوبه.

إن الادعاءات السياسية التي يروج لها الحزب عن أنه «رأس حربة المقاومة» ضد إسرائيل، كررها أخيرا النائب محمد رعد رئيس كتلته البرلمانية «كتلة الوفاء للمقاومة».

حزب الله يحاول اليوم، كما هو جلي للعيان، تصوير نفسه على أنه تنظيم وطني لبناني. ولكن هل سيستطيع الصمود من دون دعم سوريا؟ الإجابة، على الأرجح.. نعم، إلا أن نفوذه سيتقلص ويتراجع.

ولكن من المفارقات اللافتة أن شعبية الحزب ونفوذه يتراجعان باطراد الآن بسبب تورطه مع نظام الأسد. إذ أثار دعم الحزب لنظام الأسد نقمة عارمة عليه في أوساط المسلمين السنة في لبنان، ترجمت أحيانا اشتباكات في شمال البلاد، بل إنه ينظر إلى الحزب اليوم على أنه بات عامل اضطراب وقلاقل في البيئة السياسية اللبنانية المتشرذمة، وثمة خوف حقيقي كبير من أن يؤدي التنافر العدائي المتزايد بين السنة والشيعة في لبنان إلى تفجير جولة جديدة من حرب لبنان الأهلية.. الطويلة والكارثية.

لقد تأخر حزب الله كثيرا في قطع صلاته بنظام الأسد، بعكس حركة حماس في غزة، التي غيرت موقفها - بنجاح - من حكام دمشق قبل سنة في رد فعل غاضب على أعمال القمع التي تمارسها قوات النظام ضد الغالبية السكانية السنية في سوريا. وفي هذا الموقف كانت حماس تعرف أنها تجازف بفقدان مساندة إيران، لكنها في النتيجة لم تجد صعوبة من احتفاظ بسلطتها في قطاع غزة. الوضع اليوم أصعب بكثير على حزب الله، ولا سيما أن لديه عددا كبيرا من المقاتلين داخل الأراضي السورية.

من جهة ثانية، ثمة خطر أكبر على حزب الله إذا ما حاولت إسرائيل الاستفادة من ضعف موقفه. ذلك أن السلطات الإسرائيلية متشوقة للانتقام للهزيمة السياسية الكبيرة التي أنزلها بها الحزب عندما اضطرت للقبول بهدنة معه في أغسطس (آب) 2006، قبل أن تقتنع بأنها فعلت ما يلزم لتدمير قدراته القتالية. والقصد أنه إذا نضب معين إمداد حزب الله بالسلاح من إيران، قد تسعى إسرائيل إلى إثارة واستغلال مزيد من النقمة والسخط عليه داخل لبنان، وتحديدا من السنة والمسيحيين، بل وأي مواطن لبناني عادي يضايقه أن الحزب غدا قويا جدا وفاسدا جدا.

قد لا يغامر الإسرائيليون بمجابهة عسكرية جديدة داخل لبنان، لكنهم سيسعون جهد طاقتهم لإضعاف حزب الله سياسيا وعسكريا.. بينما يدفع ثمنا باهظا في تدني شعبيته بسبب دعمه لبشار الأسد.

* كاتب ومحلل سياسي في صحيفة «التايمز» البريطانية.