هل هناك حقاً «نموذج مهني» للصحافة الورقية كفيل بمواجهة الإعلام الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي؟

لا - .. مع أنه سيظل لها دورها في نشر المعلومات التفصيلية

TT

مع أنه لم يمض على وجود «تويتر» معنا سوى ست سنوات، فإنها حظيت بوصف أهم وسيلة تواصل خلال القرن الحادي والعشرين. ولقد نمت «تويتر» من مجرد فكرة بسيطة وجدت طريقها إلى حيز التنفيذ خلال جلسة عصف ذهني في غرفة بإحدى الشركات، ذات يوم من عام 2006، لتصبح قصة نجاح دولية كبرى. وبنهاية عام 2012 كان هناك أكثر من 500 مليون مستخدم مسجل يصدرون أكثر من 340 مليون تغريدة كل يوم مع تداول أكثر من 1.6 مليار استفسار بحثي، ومن ثم غدت «تويتر دوت كوم» من أكثر عشرة مواقع إلكترونية في العالم من حيث عدد الزيارات. أضف لما سبق مواقع مدونات «وايبو» الصينية المختلفة - مثل «سينا وايبو» التي لديها حاليا 368 مليون مستخدم مسجل – وبالتالي، فإننا حقا ننظر إلى ظاهرة عالمية. اليوم كثيرون يستخدمون «تويتر» بصورة خدمة أخبار خاصة، أو وسيلة للتعبير عن أفكارهم وخواطرهم، وعبر «الهاش تاغ» (#) غدا بمقدورهم التركيز على المواضيع التخصصية التي تهمهم. سر نجاح «تويتر» يكمن في بساطتها، إذ إنها تتيح لمستخدميها الوقت المناسب أحدث الروايات والأفكار والآراء والأخبار، وقد يكون المستخدم متلقيا ساكنا أو متفاعلا نشطا. وتتوافر له القدرة على إرسال الصور وأشرطة الفيديو ورسائل بسرعة هائلة وهو يتحرك. ولقد حقق نجاحا منقطع النظير حتى ما عاد بإمكان أي مؤسسة العمل من دون «تويتر». ثم إنه لدى تحليل «تويتر» على صعيد المواضيع الأكثر شعبية، والنظر إلى الطريقة التي تنتشر بها الروايات والأفكار عبر هذه الخدمة يتبين لنا أن «تويتر» باتت صناعة قائمة بذاتها، مع مئات التطبيقات التي تستفيد من وسيلة الاتصال والتواصل هذه بكلماتها الـ140.

جدير بالذكر، أن التوسع الهائل في تقنية الهاتف الجوال والذكي أسهم إسهاما مباشرا في النمو الضخم لـ«تويتر» ذلك أن هذه الخدمة تنامت بالتوازي مع نمو سوق الهواتف الذكية التي تتوافر فيها تقنيات كومبيوترية وتصويرية ورسومية مما جعل الخدمة تجربة ممتعة. وقبل توافر «تويتر» وخدمات الـ«4 جي» كانت قدرات الهواتف محدودة لا تتجاوز الاتصالات التقليدية وإرسال الرسائل النصية.

هذا الأمر انتهى الآن مع «تويتر»، إذا صار متاحا للمرء البحث عن «تغريدات» تهمه، بل متاح أيضا التواصل بصورة مباشرة مع «مغردين» آخرين، وهذا من دون تكلفة إطلاقا (في معظم الأماكن). إن هذه الخدمة هي اليوم الوسيلة الأمثل لجيل الشباب، الذين تؤمن لهم البقاء على تواصل مع أترابهم وتقاسم اهتماماتهم المشتركة معهم.

ولكن، ما هو تأثير «تويتر» على وسائل الإعلام الأخرى بما فيها الإعلام التقليدي بشكليه الورقي والإلكتروني؟

ثمة جدل هذه الأيام حول ما إذا كان نجاح «تويتر» وغيرها من خدمات التدوين التواصلي المصغر تعني نهاية وسائل التواصل الأخرى. وهنا لنتابع بمزيد من التفاصيل حول «تويتر» بالذات، إذ أشارت مؤسسة «بيو ريسيرتش سنتر» إلى أن البالغين الشباب أكثر ميلا إلى استخدام الخدمة من البالغين الأكبر سنا، وأن نسبة سكان المدن من المستخدمين يفوق بأكثر من الضعفين سكان الأرياف، وأن 72 في المائة من المستخدمين يركزون على المعلومات المتعلقة بحياتهم الخاصة ونشاطاتهم أو اهتماماتهم، و62 في المائة على عملهم، و55 في المائة بتقاسمون وصلات أخبار وقصص جديدة. وثمة أبحاث أجرتها مؤسسة «بير آناليتيكس»، ومقرها في ولاية كاليفورنيا الأميركية، وجدت أن «التغريدات» تتوزع على ست فئات: 40 في المائة منها عبارة عن ثرثرات فضولية لا طائل منها، و38 في المائة تغريدات حوارية، و9 في المائة تقوم على نقل معلومات، 6 في المائة الغاية منها إبراز الذات، و4 في المائة دعايات دخيلة (سبام)، و4 في المائة أخبار.

الموضوع، طبعا، في حاجة إلى مزيد من الأبحاث، ولكن من الواضح أن «تويتر» لن تكون مصدر معرفة، وبالتالي لن تحل محل مصادر المعلومات بمعنى أنها وإن حلت محل «فيس بوك» فإنها لن تحل محل «نيوزويك»، غير أنها ستنمو وتتطور وستكون وسيلة غاية في الأهمية على صعيد نشر الحقائق والآراء. ولكن في المقابل، لن تستطيع الصحافة أو وسائل الإعلام التقليدية مجابهة ما يسمى «الإعلام الجديد»، مثل «تويتر»، لأن «الإعلام الجديد» قادر على نقل المعلومات بأساليب جديدة وفريدة، عبر الحواجز الجغرافية واللغوية. أضف إلى ذلك أن لدى «الإعلام الجديد» أفضلية السرعة والقابلية في الانتشار والتغلغل بيسر وسهولة داخل المجتمعات، مع أن القدرة على تقديم المعلومات التفصيلية سيكون العنصر الذي سيحفظ للإعلام القديم بعض الحضور المحدود. إن الشيء الوحيد الذي لن يتمكن «الإعلام الجديد» من تأمينه للمستخدم هو المعلومات التفصيلية.

*إعلامي وباحث بريطاني