وهل فشلت الصحافة الإلكترونية في مقاومة شبكات التواصل الاجتماعي والمدوّنات؟

نعم - .. وسيكسب الإعلام الجديد مزيداً من الأهمية

TT

في منتصف شهر مارس (آذار) الجاري، فاجأ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس الوزراء وحاكم دبي، الجمهور بالإعلان عن تشكيلة حكومية جديدة في بلاده عبر «تويتر»، وهي سابقة ذات دلالة كبيرة من دون شك، إذ تشير إلى تطور نوعي في وظائف مواقع التواصل الاجتماعي الإخبارية، التي باتت وسيلة لبث الأخبار السيادية قبل غيرها من الصحف الرصينة ووكالات الأنباء الرسمية والعالمية.

لم يعد «تويتر» يستخدم في الإعلان عن أسماء الوزراء الجدد فقط، لكنه أصبح وسيلة لإعلان الاستقالة من الحكومة أيضا، أو على الأقل هذا ما فعله الوزير المصري السابق هاني محمود، الذي أعلن استقالته عبر هذا الموقع في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي من حكومة الدكتور هشام قنديل. كان الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو شافيز قد استخدم «تويتر» أيضا، في منتصف شهر فبراير (شباط) المنصرم، ليعلن أنه عاد إلى كراكاس بعد رحلة علاجية في كوبا، خاصة أنه كان أحد أكثر عشرة رؤساء في العالم نشاطا عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وتفيد دراسة نشرتها مؤسسة «ديجتال بوليسي كاونسل» بأن 123 رئيس دولة أو حكومة باتوا يستخدمون موقعي «تويتر» و«فيس بوك» بانتظام، في نهاية العام الماضي 2012 بارتفاع نسبته 78 في المائة مقارنة بالعام السابق عليه، وأن معظم هؤلاء يبثون رسائل سياسية وأخبارا عبر حساباتهم.

مع الارتفاع المطرد في عدد مستخدمي «الإنترنت» في العالم، والزيادة المتسارعة في مستخدمي وسائط التواصل الاجتماعي الشهيرة، تتكرس الوظيفة الإخبارية لتلك الوسائط، وتصبح مصدرا رئيسيا لاعتماد الجمهور ووسيلة لمتابعة الأحداث والمشاركة في صياغتها والتعليق عليها.

يمكن القول إن الوظيفة الإخبارية لمواقع التواصل الاجتماعي ظهرت كمحاولة للالتفاف على قمع بعض الأنظمة الاستبدادية وتقييدها لوسائل الإعلام النظامية (معلومة الهوية ومحددة المسؤولية)، كما حدث في أحداث الإيغور في الصين، وفي الانتخابات الإيرانية 2009، وفي العدوان الإسرائيلي على لبنان 2006، وغزة 2008، ثم الصراع الدائر راهنا في سوريا. لكن تلك الوظيفة شهدت أزهى عصورها حينما تحولت مواقع التواصل الاجتماعي «بنية أساسية اتصالية» في دول التغيير العربي، التي شهدت «ثورات» أطاحت بأنظمة الحكم السابقة، من خلال أدوار مارستها تلك المواقع في الحشد والتعبئة وتنظيم «النضال السلمي»، وبلورة الاحتجاجات وصياغة المواقف والشعارات.

تعطي مواقع التواصل الاجتماعي لمستخدميها صلاحيات غير قابلة للمنافسة من أي وسيلة إعلام نظامية، إذ تمكنهم من انتقاء الأخبار، وصياغتها، وتأطيرها، وبثها خلال ثوان معدودات، طالما كانوا يمتلكون هواتف جوالة ذكية، أو أيا من الوسائط التقنية الأخرى، وصلة لـ«الإنترنت». ويمكن ملاحظة أن نسبة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كمصدر للأخبار تزداد باطراد في ظل سخونة الأوضاع السياسية من جهة، وكلما تعرض الإعلام النظامي لتضييق أو استهداف من السلطات من جهة أخرى. ولقد شهدت السنوات القليلة الفائتة اتجاها من قبل السلطات في غير دولة عربية إلى استهداف «مدونين» و«مغردين» باتهامات وأحكام بالسجن بأكثر مما يحدث مع الصحافيين والإعلاميين الذين يمارسون عملهم في وسائل الإعلام النظامية.

تزيد نسبة مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في الدول التي تشهد انغلاقا في إعلامها النظامي، وترتفع نسبة المحتوى السياسي في «تويتر» بشكل مطرد، ويزيد ميل السياسيين من كافة الأطراف إلى استخدامه في إنتاج الأخبار، وبثها وتداولها، ومتابعة تطورات الرأي العام، ومحاولة تقصي ما يطرأ على الوعي الجمعي للنخب من تغيرات.

في مقابل الميزات الكبيرة التي تتيحها مواقع التواصل الاجتماعي لمستخدميها، خصوصا على صعد السرعة والإيجاز والبلورة وإمكانات البحث وقدرات التعبئة والتوجيه، ثمة الكثير من السلبيات والاعتوارات؛ فتلك الوسائط لا تخضع المحتوى الذي تبثه لأي شكل من أشكال التقييم أو المراجعة، ولا تلزم من يبث هذا المحتوى بأي قدر من الالتزام، سوى ما يقرره طوعا لذاته. يسهل جدا نقل الأخبار عبر مواقع التواصل الاجتماعي من دون أي قدر من التوثيق، ويندر جدا استخدامها منسوبة لأصحاب الحسابات التي تم بثها من خلالها، وكثيرا ما يتم نقلها باعتبارها «حقائق لا تقبل الدحض»، كما يسهل طبعا أن يتنصل صاحب الحساب من الرأي أو المعلومة أو التقييم الذي بثه قبل قليل بداعي أن «الحساب تمت سرقته»، أو أنه «لا يمتلك حسابا في الأساس».

تمثل مواقع التواصل الاجتماعي رصيدا إخباريا معتبرا، خصوصا في ظل أجواء التعتيم والاستبداد التي تغل يد الإعلام النظامي، لكنها أيضا تعد ميدانا خصبا لاختلاق الوقائع وتشويه الحقائق وبلورة المشاعر العدائية، وأحيانا بث الكراهية. تفرض تلك الوسائط أصعب التحديات على المواقع الإلكترونية الإخبارية النظامية، التي تنفق أموالا في إنشاء ماكينات جمع الأخبار، ونشر الأطقم الصحافية، وجمع المحتوى وتطويره وتدقيقه وبثه، ثم تأتي تلك الوسائط (المجانية) لـ«تخطف» هذا المحتوى، أو تفقده قدرته التنافسية عبر تطوير «محتوى أسرع بثا، وأكثر سخونة، وأقل دقة.. في آن». ستظل وسائط التواصل الاجتماعي تكسب أرضا جديدة في ميادين الأخبار، طالما كان الإعلام النظامي تحت قيود القمع السلطوي، وطالما كان عاجزا عن تغيير إيقاعه وتطوير أدواته، للحاق بجمهور بات مزاجه في التعرض الإخباري أكثر ميلا للمقاربة الموجزة الموحية الحادة. لكن التحدي الكبير في هذا الصدد يتعلق بكيفية خلق التكامل والتعاون بين الإطارين النظامي وغير النظامي، بحيث يصبح أولهما أكثر تحررا وسرعة وطزاجة، ويصبح الآخر أكثر دقة ومسؤولية وخضوعا للضبط الذاتي.

* كاتب وباحث إعلامي مصري