هل كان قرار غزو العراق صائبا؟

نعم - في الذكرى العاشرة لسقوط صدام.. أقول: «عاشت الحرية»!

TT

يبدو أن السجال حول التدخل الدولي في العراق عام 2003 ما زال مستمرا وما زال هناك كثيرون يرون أن إقدام الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في التدخل لإسقاط نظام البعث يعتبر احتلالا. وبعض هؤلاء يستندون إلى مفهوم مجلس الأمن حول ذلك، وبعضهم الآخر يستند إلى المفهوم الكلاسيكي حول إسقاط الأنظمة عن طريق تدخل القوات الأجنبية. ولكن غالبية العراقيين تعاونت مع التحالف الدولي لإسقاط ذلك النظام واعتبرت التدخل العسكري عملية تحرير بلد عانى أشد الويلات طيلة حكم البعث الذي استمر أكثر من ثلاثة عقود. لقد أسس ذلك النظام حكما عسكرتاريا وشوفينيا ذا آيديولوجية توتاليتارية ومذهبية من حيث الجوهر. واضطهد ذلك النظام الشيعة والكرد والديمقراطيين.. وحتى القوميين من السنة الذين كانوا يتبنون مفاهيم قومية لا تتطابق مع مفاهيم السلطة البعثية.

كذلك مارست السلطة السابقة للتدخل شتى أساليب الاضطهاد ضد مكوّنات الشعب العراقي، وعلى سبيل المثال لا الحصر استعملت السلاح الكيماوي ضد مواطنين عزل في حلبجة، ونفذت قواتها «عمليات الأنفال» ضد الشعب الكردي وذهب ضحية تلك العمليات أكثر من مائة ألف مدني كردي دفنوا في قبور جماعية، وما زال البحث عن أعداد أخرى من تلك القبور الجماعية مستمرا إلى وقتنا هذا.

وعدا عن تلك الجرائم، فقد سوّت قوات نظام البعث ما يقارب خمسة آلاف قرية وقصبة كردية بالأرض. وجرى طرد مئات الألوف من العراقيين كردا وشيعة وسنة من العراق، أو أجبروا على الهجرة الاضطرارية إلى دول الجوار وأوروبا. وفي نهاية المطاف سيطرت عائلة بمفردها على مقاليد السلطة وأركانها ونهبت ثروات العراق بكامله.

ولكن العراقيين واصلوا في النضال من أجل وقف تلك السياسات اللاإنسانية واللاوطنية، واعتمدوا - لا سيما القوى السياسية الكردستانية - أيضا الحل التفاوضي والحوار مع النظام في محاولات لتصحيح مسار الدولة وإيقاف حمامات الدم وسياسات محو الكرد وإبادة الشيعة واضطهادهم. ولكن كل المحاولات ذهبت سدى من دون جدوى.

لقد أثبتت الوقائع والمعطيات أن طاقة العراقيين وحدهم ما كانت كافية لتغيير السلطة والإتيان بسلطة تؤمن بالديمقراطية والتعايش بين المكوّنات، ووضع موارد البلد المادية والبشرية في خدمة نهضة اقتصادية متوافقة مع الإمكانات المادية والبشرية الموجودة في العراق. ومع الأسف الشديد، ظل البعض من الدول والنخب العربية في بعض البلدان العربية يدافعون عن السلطة وجرائمها بحجج واهية بدافع النزعة العروبية والمذهبية. ومن جانب آخر، لقد غيّر «النظام العالمي الجديد» الناتج عن سقوط «جدار برلين» وانتهاء الحرب الباردة، الكثير من المفاهيم التي كانت تتحكّم بعلاقات الدول وتمنح الصلاحيات المطلقة للحكومات الديكتاتورية لاضطهاد شعوبها وخرق حقوق مواطنيها الإنسانية بشكل فظيع، كما حدث في العراق تحت حكم البعث. وأثبتت الأحداث الدامية والإبادة الجماعية في بقع مختلفة من العالم، أن الشعوب المضطهدة ستظل عاجزة عن حسم الأوضاع بالاعتماد على طاقاتها وحدها، وذلك لأن الحكومات الديكتاتورية كانت تتمتع بغطاء القانون الدولي المتحكم بالعلاقات الدولية وفقا لمفهوم السيادة الوطنية. ومن ثم، أصبح من المستحيلات أن تحسم الشعوب أمرها مع الأنظمة الديكتاتورية بقواها الذاتية، أي من دون أن يتدخّل المجتمع الدولي، وبالذات القوى العظمى، لوضع حد لاضطهاد الشعوب.

قبل أن تتدخل القوات المتحالفة لإيقاف اضطهاد العراقيين، أعطى مفهوم التدخل الإنساني في يوغوسلافيا السابقة ومناطق أخرى في العالم نتائج إيجابية لصالح الشعوب المغلوبة على أمرها، وأمسى التدخل الإنساني ميزة من الميزات الإيجابية للنظام العالمي الجديد.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن فشل الشعوب في تحقيق الانتصار على الديكتاتورات بالاعتماد على قواها الذاتية دفع بمفهوم فكري وسياسي جديد إلى السطح مضمونه أنه لا انتصار للشعوب وحدها من دون التدخل الدولي. وهكذا، غدا التدخل الدولي بهدف إنقاذ الشعوب ركنا مهما من أركان العلاقات الدولية، وبالتالي ما عاد هذا النمط من التدخل نهجا استعماريا أو احتلاليا، مفهوما وتطبيقا، كما في العراق، حيث اعتمدت سلطات التحالف بالمشاركة مع القوى العراقية الوطنية التي أيّدت إسقاط النظام عن طريق التدخل الإيجابي، استراتيجية إعادة السلطات والسيادة للعراقيين أنفسهم من دون فرض الشروط الاستعمارية النهبوية كما شاهدناه من قبل.

والحقيقة الساطعة الأخرى بهذا الصدد، كانت أولوية سقوط النظام والتخلّص من قبضته وهيمنته وشروره لدى أوسع قطاعات الشعب، ولقد تحققت هذه الأولوية عندما تدخّلت القوى الدولية بمباركة ومشاركة غالبية مكوّنات الشعب العراقي.

إن لحظة السقوط كانت لحظة فرح عامرة للعراقيين جميعا، ما عدا البعثيين والسائرين في ركابهم، لأن المواطنين شعروا بمعاني الحرية ولمسوها وشكروا كل من ساعدهم على الانعتاق الذي كانوا يحلمون به. وذلك لسبب بسيط في شكله وعميق في معانيه، وهو أن العراقيين قبل التحرير كانوا يعتقدون أن الطريق مسدود أمامهم تماما، ولا خلاص لهم من الديكتاتورية البتة، بعدما جرّبوا كل الوسائل وقدموا كل التضحيات.

في اعتقادي، أن غالبية العراقيين لا تفكر في معاني المصطلحات بقدر ما تفكّر فيما جنته من الحرية والكرامة وتتعامل معه، بعد سقوط نظام ديكتاتوري كان يضطهدهم ويقتلهم ويهين بشتى الوسائل كرامتهم الإنسانية.

وفي هذه الذكرى العاشرة لسقوط النظام، أختتم مقالي بقولي: الحرية أولا، ولتحيا الحرية.

* الناطق الرسمي باسم المكتب السياسي لـ«الاتحاد الوطني الكردستاني»