... وهل ترى أن للأكراد الحق في التمتع بهوية سياسية خاصة بهم؟

نعم- ولكن عليهم أن يدركوا التعقيدات الكبيرة المحيطة بطموحاتهم

TT

شخصيا أومن بحق الكرد في أن يقرروا بأنفسهم مصيرهم وفق قاعدة ومبدأ. إنهم أمة لا يختلفون عن العرب أو الترك أو الفرس. وبالتالي، فإن أمر إقامة دولة خاصة بهم أمر يخصهم وحدهم. لكن علينا الإقرار بأن للمسألة الكردية بعدا آخر ينطوي على قدر كبير من التعقيد. فالكرد يتوزعون على 4 دول متجاورة، وهي العراق وإيران وتركيا وسوريا، ولديهم في كل واحدة من هذه الدول مشكلة خاصة ربما تختلف عن المشكلة في الدولة الأخرى. كما أن لهم في كل دولة من هذه الدول مستوى معينا من الحقوق، وهذه الحقوق لها خصوصيات أيضا، وكلها تسبق إقامة الدولة. ومن هذه الجزئية تحديدا فإن هناك تحديات أمام الكرد أنفسهم على صعيد إقامة الدولة الكردية، وقد تكون أحيانا مشكلات صعبا تجاوزها. ولعل الأهم في ذلك أنه في حال أعلن أي طرف كردي دولة في أي من هذه الدول، فإنه من دون توافق دولي وإقليمي يبدو صعبا القبول بها من هؤلاء الجيران (العراق وإيران وتركيا وسوريا). لكن الأمر يختلف في حال تخطينا الحدود، وأعطينا الكرد كمنظومة دول، وأقصد بذلك التي يتوزع فيها الأكراد.. فإن هذا يحتاج كما قلنا إلى إرادة دولية وإقليمية. ومع إقرار هذا الحق، فإنه لا بد من التطرق إلى مشكلات لا بد من حسمها قبل حسم موضوع الدولة، وهي الحدود مثلا.

نحن في العراق لم نتفق بعد مع الكرد على حدود إقليم كردستان. وعليه، فليس بوسعنا أن ننوب عن الأكراد في وضع خطة بديلة لتجاوز هذه التحديات التي تقف أمامهم. لكن كل ما نستطيع عمله هو أننا ننصح الكرد بأن يحققوا أولا مستوى عاليا من الاستقلالية داخل كل بلد ينتمون إليه حاليا، وأن يعيشوا فيه بطريقة لا تجعلهم يتحدون هذا البلد، أو بأسلوب «الابتزاز»، بل بطريقة الشراكة التي يتيحها دستور كل بلد وتؤمنها الديمقراطية. وبالمقارنة مع غيرنا، فإن الوضع الكردي في العراق يتقدم بمراحل على نظيره في الدول الأخرى. لكنهم بدلا من أن يحترموا هذا التفوق ويعيشوه، فإنهم يتعسفون في استغلال هذا الحق ويستغلون الدستور والديمقراطية من أجل فرض حالة من الأمر الواقع، بدلا من أن يتعاونوا مع المركز ويحترموا تاريخ العلاقة الطويل مع عرب العراق من أجل خلق حالة هادئة لكل أبناء المنطقة. غير أنه لا بد من التأكيد هنا أنه بما أن العلاقة بين العرب والكرد لا تستقيم دائما، فنحن نتمنى أن تكون الشراكة اختيارية، لأن الكرد لن يستقروا على طريقة تعايش مع العرب.

ومع أنه من الصعب أن نقول ذلك لأسباب عاطفية، فإننا نؤمن بها طالما عشنا وتعايشنا معهم، إلا أن حلم الدولة الكردية يطاردهم ولا يسمح لهم بأن يعيشوا حالة طبيعية. إنهم يخططون له بوسائل مختلفة، ومن بينها على سبيل المثال عدم اهتمام الأجيال الكردية الجديدة باللغة العربية، بعكس الأجيال الكردية القديمة، حيث نادرا ما تجد كرديا لا يتقن العربية. الآن هناك نية مسبقة لإبعاد شبح اللغة العربية عن كل شيء في كردستان، بما في ذلك اللافتات في الشوارع وعلى الدوائر. كما أن هناك مساعي لإبعاد الحرف العربي عن عيون الأجيال الكردية الشابة.

كل هذا لا يصلح لعلاقة مستقرة، لأننا في ذلك كمن يخدع نفسه. وأرجو من الإخوة الكرد أن لا يفهموا هذا الكلام على أننا زاهدون فيهم، لكن عندما تبلغ الأمور هذه المستويات فإننا نؤمن بأن التسريح بإحسان أفضل، حتى لا تتدهور العلاقة أكثر مما هي.

أستطيع القول إن الإخوة الكرد قرروا الطلاق، لكنهم هم من يريد أن يختار وقت الطلاق والطريقة التي يجب أن يتم بها. أما إذا رأى الوضع الدولي غير ذلك، فإن تفكيرهم هو له ما لك، ولكن ما عليك لا يشمله. إنهم للأسف يتخيلون السراب وكأنه واقع، وهو ما يحصل الآن مع تركيا، التي تريد أن تقودهم إلى مخطط جهنمي للمنطقة لن يكون لصالح الأكراد. وكلنا يعلم أن إسرائيل ليست بعيدة عن ذلك أيضا. كما أن الأتراك لا يطيقون إقامة دولة كردية. ربما يفرضون حالة محدودة من الفيدرالية لكنهم (الأكراد) في هذه الحالة سيخرجون من واحة خضراء، مثلما هم عليها في العراق، إلى حالة فيها ألف مشكلة ومشكلة.

ولعل الأمر الواقع الذي فرضوه وهو أن العراق شيعي - سني - كردي لا بد أن يتغير. لأنهم بذلك ضيعوا هويته العربية، ولعل من سمح بذلك من العرب لحظة كتابة الدستور الذي تم فيه تغييب هوية العراق العربية سوف يلعنهم الله والتاريخ وتحاسبهم الأجيال.

* عضو البرلمان العراقي عن ائتلاف دولة القانون