... وهل ترى أن للأكراد الحق في التمتع بهوية سياسية خاصة بهم؟

لا- إذا كانت ستتجاهل حقائق التاريخ والجغرافيا.. وبالأخص تاريخ العراق

TT

ستكون لها تداعيات من الصعب تخطيها.. ولعل هناك المزيد من الأسئلة التي يمكن أن تثار بهذا الصدد.. فماذا عن المناطق المتنازع عليها؟ ماذا عن تلك التي يعتقد الكرد أن بها نسبة غير قليلة من الأكراد؟ ومن جانبهم يرى العرب، في ظل غياب الإحصاء، أنها مدن عربية. والتركمان كذلك يصيحون بأن هذه المدينة تاريخيا هي مدينة تركمانية؟ كيف يمكن تسوية مثل هذه الخلافات المعقدة؟

وانطلاقا من ذلك، فإنه في حال تشكلت أو أعلنت دولة كردستان، فإن الحل الوحيد هو الحرب. هل يمكن أن نتخيل شكل حرب تحدث حول كركوك؟ أي إيادٍ ستمتد إليها؟ إنها لن تكون محلية صرف. لن يكون هناك صراع عربي - كردي فقط بل صراع إمبراطوريات النفط، وسوف يصبح حمام الدم أغزر بكثير من براميل البترول. كيف يتصرف العرب الذين يعيشون في كردستان والكرد في الموصل الذين هم ربما ثلث سكانها؟ هل يعتبرونهم ضيوفا لاجئين؟ هل يدخلون عبر «فيزا» سياحية أم ماذا؟ وماذا عن التركمان كذلك والشيعة والسنّة؟ كيف سيعيش اليزيديون؟ وأين سيكون قلبهم والشبك كذلك.. هل مع دولة كردستان أم أن بعضهم يقول إن ديانته يزيدية، ولكن أصوله عربية؟ أليست هذه قنابل موقوتة؟

هذا على صعيد التداعيات الداخلية.. فماذا عن الشأن الإقليمي؟ نقول: إقليميا تبدو المشكلة واضحة، لأن دولة كردستان ستكون جغرافيا بالقرب من الأكراد في الدول الأخرى التي فيها أكراد، وهي تركيا وسوريا وإيران؟ وبالتالي ماذا عن أكراد تلك الدول.. هل سيكون ولاؤهم لدولهم التي يقطنون فيها أم لدولة كردستان الوليدة بوصفها الدولة الأم؟ بالتأكيد ستحصل مشكلات من نوع آخر مع سوريا وإيران وتركيا. وماذا يعني إضافة دولة جديدة إلى خارطة المنطقة؟ ستكون بالتأكيد نموذجا لمبدأ «شد الأطراف».

إن هناك أمما أربعا ستتصارع حضاريا، هي الأمة التركية والأمة الفارسية والأمة العربية والأمة الكردية. وبالتالي فإن مصير هذه الدولة سيكون مرتبطا بالصراع لا بالحوار، ليس بسبب الصراع القومي بالضرورة، بل أيضا بصراع المصالح ومنها البترول والمياه. وسيكون لإسرائيل دور واضح في تغذية هذا الخلاف، بل الصراع.. لكن ألا يكون بوسع هذه الأمم، وهي أمم إسلامية، أن تتوحد؟

الأمر في غاية الصعوبة، لأنها إن توحدت فسيكون هناك جرس إنذار كبير وعالي الضجيج يدق من واشنطن إلى موسكو مرورا بتل أبيب، لأن هذه الدول جميعا ترى أن الإسلام بات هو العدو اليوم؛ هو «العدو الأخضر» بعد زوال «العدو الأحمر». ولعل هناك مسائل لا بد من التطرق إليها، وهي: ما الأسس التي تقوم عليها الدولة الكردية؟ إنها القومية بالتأكيد. والسؤال هنا: ماذا عن القوميات الأخرى في المنطقة، مثل التركمان وبلوشستان؟ وهل نتحدث عن دولة تضم كل أكراد المنطقة أم كل دول المنطقة؟! إذا قامت دولة كردية محلية، فإن هذا يعني انسلاخا عن العراق.. فلماذا لا تقوم في تركيا أو سوريا أو إيران إذا استخدمنا المعيار ذاته؟ فلماذا لا تقوم دول أخرى وفق معايير أخرى غير المعيار القومي، كأن يكون المعيار المذهبي، وهو ما يعني احتمال إقامة دولة شيعستان وسنّستان؟

إذا رحبنا بالخيار القومي؛ فما المانع أن تقوم دولة بالمعيار الديني، وإسرائيل نموذج لذلك في المنطقة، وأن تجد هذه الدول من يناصر دعاواها. عند ذاك سنشهد مزيدا من التقسيم للمنطقة.

العراق كان دولة قبل معاهدة ويستفاليا عام 1648، التي قامت بموجبها الدول القومية. كما كان دولة قبل أكثر من 3 آلاف كان يسمى بلاد ما بين النهرين. كان دولة قبل الدول.

والسؤال هو: هل كان العراقيون في العصر القديم أكثر وعيا منا بوحدتهم وبمصيرهم المشترك وباعتزازهم بحضارتهم؟ لماذا المطلوب من كل دول العالم أن تتوحد بينما مكتوب على أمتنا أن تتجزأ؟ وهنا بودي أن أنتقل إلى البعد العاطفي فأقول: ماذا أقول لديار وجلال ابني شقيقتي من زوجها الكردي «طلال عادل زنكنة»؟ كيف يمكن أن أراهم بعد أن توضع الحواجز والحدود بيننا؟

هل أحتاج أن ألتقيهم خلف الحدود ويلوح لي ابن أختي بيديه.. خالو! إكراما لديار سنتشبث بالكرد.. بعراقيتهم، لن نسمح لهم، بالحب طبعا، أن ينفصلوا عن وطنهم. لكن علينا أن نريهم العدل وحقوق المواطَنة المعروفة، وليس على طريقة أولئك الذين يريدون الوحدة القسرية، وبقيادة «عمليات دجلة».

إن هؤلاء هم من يدفع الكرد إلى الانفصال عن عراق كانوا وما زالوا أحد أبرز بُناته وركائزه عبر التاريخ.

* عضو البرلمان العراقي والناطق الرسمي باسم قائمة «متحدون»