هل حاول رموز الصحوة استغلال اللحظة؟

نعم - حاولوا استغلال اللحظة بعد فترة «مصالحة» سبقت «الربيع العربي»

TT

وبعيدا عن مفردة استغلال وحكم القيمة الذي تحمله، فإن رموز الصحوة حاولت استثمار مناخ «الربيع العربي» لتحقيق مطالب «صحوية»، ولكن من المهم قبل التعرّض لذلك، إلقاء نظرة فوقية تستعرض الحالة التي كانت عليها الصحوة قبل انفجار الأحداث نهاية عام 2010.

على الرغم من وجود اختلافات مهمة بين السياقات الخليجية المختلفة، فإن التيار الإسلامي باختلاف مكوناته كان يعاني من فقدان للرؤية وضبابية في المشروع السياسي الذي يحمله منذ نهاية التسعينات وحتى بدء الحراك في الربيع العربي، ولذلك أسباب وأعراض، فمن أسبابه ضيق هامش المجال السياسي المتاح لهم ولغيرهم، وأيضا فقدان القيادة الصحوية للقدرة الإبداعية على إنضاج رؤية سياسية خاصة في ظروف كهذه، ومن أعراضه ازدياد الضغط الداخلي من الشباب الصحوي ومن الأتباع والمتلقين على هذه القيادات والرموز نتيجة انسداد آفاق المشروع الصحوي برمته، الذي ترافق مع ازدياد ملحوظ في الوعي لدى مختلف الشباب الخليجي كان لوسائط العولمة دور واضح فيه.

قاد ذلك كثير من الرموز الصحوية لتجاوز حالة الصراع التي كانت بينهم وبين الحكومات، خاصة في عقد التسعينات، نحو حالة تصالحية معها. وتغليب لخطاب إصلاحي تمثل بعضه في لغة سياسية هادئة، وأدوار في حلحلة ملفات داخلية عالقة (ملف الشيعة على سبيل المثال)، وتبني الدعوة للقيام والمشاركة في مؤسسات المجتمع المدني، والدخول في حوار مع باقي الأطياف الوطنية، وحتى الاقتراب من علاقات مباشرة مع النخب الحاكمة عند بعض الرموز. ووصل الالتحام بهذا الخطاب الإصلاحي غير الثوري أن يكتب أحد رموز الصحوة قبل أحداث سيدي بوزيد بشهور قليلة مبجلا الإصلاح «الثورة هي انقلاب يستحضر أسوأ ما في الواقع ليؤلب النفوس والعقول على هدمه وتغييره.. وكأن زمن الثورات قد ولى وحل محله التغيير الفكري والمعرفي والجزئي، ليكن الإصلاح إذن همّا عاما نشيعه لدى العامة والخاصة، والسياسي والشرعي، ولدى أصحاب التوجهات المختلفة حتى تأتلف القلوب على مجموعة من المشاريع الإصلاحية والتنموية في البنية التحتية والتعليم والإعلام والصحة والاقتصاد وجوانب الحياة».

لكن ما هي إلا شهور قليلة حتى أحرق محمد بوعزيزي نفسه وعادت الثورة تطل برأسها وأوقعت في سكرتها من جديد مثقفين وقيادات من تيارات مختلفة.

تتابع الأحداث في دول مختلفة بالشكل الذي حصل في عام 2011، بلا شك، أنعش آمال ليس فقط الإسلاميين، ولكن مختلف التيارات السياسية العربية، وأربك وهج الأحداث كثيرا من المثقفين العرب. هذا لا يعني أن تطلعهم للتغيير في بعض البلدان العربية لم يكن في محله، ولكن بعضهم بالغ في سرعة النتائج أو في التبجيل العاطفي لكل ما يحدث في إطار الربيع العربي. وإذا كان هذا حال مثقفين ومحللين لهم خبرة واطلاع على عوالم الحراك السياسي والاجتماعي، فإن حال القيادات الصحوية الخليجية، تحديدا، سيكون أكثر تأثرا أمام ضخامة وتسارع الأحداث، إذ تأتي خلفية أغلب القيادات الصحوية من تجربة فقيرة سياسيا، ومن تكوين شرعي خالص لا يسمح لصاحبه بتحليل متعمق يستشف منه مآل أحداث استثنائية كأحداث الربيع العربي، ولا أن يمايز بشكل مناسب بين السياقات السياسية المختلفة للعالم العربي.

أدبيات الصحوة والحركات الإسلامية تحديدا مليئة بالحديث عن اللحظة التي تنتصر فيها الدعوة ويعود فجر الإسلام، ولطالما عملت هذه الحركات بجد للوصول لهذا الهدف المأمول. لذا وعلى الرغم من الإحباط والإنهاك الذي كان عليه التيار الإسلامي، بدت لحظة «الربيع العربي» لهذا الوعي وكأنها لحظة الحقيقة. ظهر تتابع سقوط الأنظمة العلمانية في تونس ومصر وليبيا، وتفجُّر الثورة اليمنية والسورية، ثم قدرة الإسلاميين على تولي مقاليد الأمور في تونس ومصر، وكأن هذا العالم العربي، كله، انتقل إلى حالة سحرية تؤول فيها الأمور في هذه المنطقة لتغيير كبير تتقدمه الحركات الإسلامية، وهي بالفعل الأكثر جاهزية لقيادته.

ولقد شاهدنا حراكا مختلف المستويات بين الدول الخليجية، وأيضا لغة تصعيدية اختلفت حدّتها بحسب السياق الاجتماعي والسياسي لكل دولة خليجية. إلا أن ما يستحق الوقوف عنده في هذا الحراك وهذه اللغة أمران:

فمن ناحية، تكشف اللغة الصادرة من بعض الرموز والمصاحبة للحراك السياسي عن جزء من نظرة سحرية لمفعول الثورة التي تنتقل من بلد لآخر، إذ لم تستطع تلك الرموز ملاحظة الفوارق المهمة بين السياقات الخليجية وسياقات عربية أخرى. ومن ناحية أخرى، ومقابلة، لم تستطع تلك اللغة الثورية أن تمكّن لنفسها في الخطاب الصحوي، ولا أن تولد حراكا ثوريا حقيقيا لها، ويعود السبب إلى أن بنية حركات الإسلام السياسي بنية غير ثورية، بل هي بنية إصلاحية، وإن كانت تلك الحركات تستثمر بكل براعة الثورات، لكن فرص أن تبادر لها هي فرص محدودة.

*كاتب وإعلامي سعودي