هل حاول رموز الصحوة استغلال اللحظة؟

لا- لم يحاولوا لأنهم مقتنعون بأن أنظمتهم خير لهم من أي شكل آخر من أشكال الحكم

TT

بداية، لا بد لنا من ضبط المصطلح هنا. فما المقصود بـ«الصحوة»؟ ومَن هم رموزها؟ وهل فعلا توجد «صحوة» في الخليج؟ وما أهدافها؟ ثم في أي لحظة حاولوا أو فشلوا في استغلال «الربيع العربي»؟

بداية، أنا لا أرى ملامح «صحوة» فعلية، وبالتالي لا تُخلق «الصحوة» من عدم، ولا بد من توافر مناخ ملائم لها ولحاضنيها! وإذا ما اعتبرنا بعض التحولات المجتمعية والسلوكية لبعض الأفراد صحوة، فهذا يعني أن أجدادنا وأجدادهم كانوا يعيشون «لا صحوة»، أي في غياب أو تغييب أو نوم.. وهذا كلام غير دقيق.

«الصحوة» رُبطت بالوعي الديني الجماعي الذي ظهر خلال الثمانينات في بعض البلدان العربية، بعدما فشل المشروعان القومي والماركسي، وحتّمت ظروف سياسية الجهاد في أفغانستان ضد «الكَفَرة الحُمر». وأضفى رموز «الصحوة» الشكل المنظم على العمل الدعوي. ولقد جذبت «الصحوة» الشباب بصورة واضحة، كما اقترنت بملامح الحياة من بنوك إسلامية وفن إسلامي وغير ذلك من الممارسات التي رُبطت بالإسلام. يقول محمد الدحيم: «الصحوة ليست مذهبا فقهيا ولا تيارا فكريا أو حركة سياسية. هي مجرد تفعيل للتديّن، وتعتبر من مجمل العمل الإسلامي، وتتأثر بيئتها الاجتماعية من حيث الأسلوب والأولويات».

وفعلا، برزت «الصحوة» في بعض مناطق الخليج على شكل جمعيات خيرية أقامت مشاريع إنسانية في بعض البلدان الفقيرة، وحركات جهادية في الشيشان وأفغانستان. ولا يمكن ربط «الصحوة» بالحراك السياسي الليبرالي في بعض مناطق الخليج لتناقض أهداف الفريقين، أما نموذجها العراقي فلا يمكن الاعتداد به أو استنساخه في بقية دول الخليج العربي لاعتبارات اجتماعية وقيمية قد لا تتوافر جليا في هذه الدول. وحالة العنف الدائرة حاليا بين عناصر «الصحوة» والحكومة العراقية تكشف غموضا في عجز حكومة نوري المالكي عن التعايش مع أبناء «الصحوة»، بل وصل الأمر إلى إقصائهم من الجيش وغيره، على الرغم من دورهم في محاربة «القاعدة».

ومنطقة الخليج، مقارنة بالدول العربية الأخرى، لها خصوصيات واعتبارات تاريخية واقتصادية وثقافية وعسكرية جعلت منها منطقة استثنائية حافظت على الأنماط السياسية القائمة، كما حافظ العالم على هذه الأنماط وحمايتها. ومن الخصوصيات النظام «البطريكي» وشكل العلاقة بين النظام والمواطنين، الذي ارتبط (على مر العصور) بالدين وطاعة ولي الأمر. فكما وجدت تقاليد للقبيلة وتراتبيتها، وجدت أيضا العلاقة ذاتها بين النظام والقبيلة. وهنا نتحدث عن التراتبية الاجتماعية التي تستفيد من أي نظام ويستفيد هذا الأخير منها.

وشكل النفط والغاز رقما صعبا في تلك العلاقة! حيث رعت الدولة الريعية المواطنين وسهلت لهم سبل العيش الرغيد، وأمّنت لأبنائهم وبناتهم المنزل الجيد والرواتب الملائمة والعلاج والتعليم المجانيين.. وبعض الهبات الأخرى! هذه الرعاية جعلت مجتمع الخليج يحافظ على استمرارية هذه العلاقة، مع الاعتراف بوجود استثناءات في بعض دول الخليج. كما شهد مواطنو الخليج حالات سياسية في دول عربية غنية وفقيرة أقنعتهم بأن أنظمتهم خير لهم من أي شكل آخر من أشكال الحكم.

وظهرت المصالح الدولية ومفاهيم «حماية النفط» وتأمين هذه الثروة العالمية، فصار أن وقعت دول الخليج عقود حماية ومصالح مع الدول الكبرى، بريطانيا قديما وأميركا حديثا، على أساس حماية الثروة العالمية من وصول أيادي العبث إليها، وترشيد استخراج النفط وضمان تدفقه إلى الأسواق العالمية. وهكذا ظهرت القوة العسكرية كـ«بيضة قبان» في المنطقة لضمان استمرار الأمن والهدوء والرخاء في المنطقة.

أما فيما يتعلق بـ«الصحوة» ورموزها، فإنني لم ألحظ صحوة من أي نوع، وكل ما حدث محاولات فردية، وجماعية أحيانا، لإيصال بعض المطالب إلى ولاة الأمر.. غلب عليها النصيحة والتناصح. أما إذا ما اعتبرنا اللجوء إلى العنف والتفجيرات، على غرار ما قامت به «القاعدة» في المنطقة وخارجها، فأنا لا أعتبر ذلك من أعمال «الصحوة»، بل من أعمال الغفلة والإرهاب والترويع البعيد جدا عن مفاهيم الدين والتدين. وهو رفض للآخر، وتمحور حول الذات دونما أي رعاية أو التفات لقيم الحياة والأمن في المنطقة.

الصدام الذي حصل بين بعض المفكرين المنادين بالتحديث والإصلاح (وبعضهم يمثل التيار الديني أيضا) لا يمكن اعتباره «صحوة» بالمفهوم العام. كما لا يمكن اعتبار توتر العلاقات بين بعض النظم والجماعات والأقليات إفرازا لـ«الصحوة»، بل هو صورة لرد فعل العنف الذي ظهر في بعض المناطق.

مرة أخرى نقول: لا توجد آثار «صحوة» في منطقة الخليج بالمعنى المقصود. وإذا كان المقصود «أسلمة» أو عودة الحياة الحالية إلى النموذج الإسلامي النقي، كما كان في عهد النبوة والخلافة، أي التخلّص من جميع مظاهر الحياة الجديدة، فهذا يعني أن كل تلك الأجيال لم تكن على حق في اتباع الدين! وهذا تجنّ كبير على تلك الأجيال! وإذا كانت تعني «تحجيب» التلفزيون، و«تنقيب» الإذاعة، وسن قوانين لطول الثوب وشكل وجه الرجل والمرأة، ورفض مطالبات حقوق الطفل والمرأة، فإن كل ذلك يتناقض مع رياح «الربيع العربي»، التي كانت حركة من أجل إعادة الكرامة للإنسان العربي، وتوفير الحياة الملائمة وبناء دولة القانون القائمة على صون الحريات ورعاية الحقوق والواجبات وفصل القضاء وتحقيق العدالة الاجتماعية. وهذا المفهوم بعيد جدا عن واقع الحال في منطقة الخليج (على الأقل راهنا) ولكن مع دعم تلك الأعمال وغيرها من التيارات السياسية بالقوة، فإن الصورة ستتغير فعلا! أما الدعوات الفردية القائمة على غطاء ديني في بعض الدول فإنها لم ترقَ إلى العمل المؤسسي، ولا توجد لدى أصحابها رؤية محددة لمستقبل العمل السياسي، بل إنها اجتهادات لعمل الخير ودعوات لوحدة المسلمين عن طريق الدعوة السلمية البعيدة عن العنف.

* أكاديمي وكاتب من قطر