مع حسمهم معركة الشارع.. هل بدأوا الصدام مع مفهوم الدولة ومؤسساتها؟

لا- لم يبدأو لأنهم لا يؤمنون بالخروج على حكوماتهم

TT

في البداية، أود التأكيد على أنني لست مع مصطلح «الصحوة» أو «الحركيين»، لا من الناحية اللغوية ولا الناحية الواقعية، ولكنني سأتعاطى مع هذا المصطلح بحسب الشائع عنه عند البعض.

وأيضا هناك غبش واضح بين ما يشاع عن انتماءات «الصحويين» الفكرية، فهناك من يجعلهم من «الإخوان المسلمين»، وهناك رأي ثانٍ يصف أصحابه بعضهم بـ«السروريين»، مع أن هذا الوصف تبرأ منه محمد سرور زين العابدين، المنسوب إليه هذا الاسم، ونفى أن يكون له أتباع. وثمة فئة ثالثة تخلط بين هذين التيارين، وتجعل مفهوم «الصحوة» مزيجا من هذا التيار وذاك.. أو ربما سواهما أحيانا.

في اعتقادي الشخصي، يصعب إعطاء «الصحوة» وصفا واحدا أو ربطهم جميعا بفكر واحد. ذلك أنهم مزيج بين من ينتمي لتيار إسلامي ومن لا ينتمي لأي تيار، وهؤلاء هم الغالبية العظمى من أتباع هذا التيار.

وهنا قد يبرز سؤال مهم، مثل: «ما الذي يجمع هؤلاء إذا لم يكونوا من أتباع تيار واحد؟».

وقناعتي أن الذي يجمعهم حرصهم على الدفاع عن الإسلام ضد تيارات تريد إبعادهم عنه وجعل دولهم لا تؤمن به، بل، وقد تحاربه! ولكن من أين أتى هذا الفهم؟ وهل يعني هذا أن غيرهم لا يحب الإسلام؟! لقد استطاع قادة هذا التيار، وعلى مدى سنوات طويلة، الاتصال بجيل الشباب في كثير من الدول العربية، وكانوا يتحدثون معهم عن خطورة الغزو الغربي للأمة المسلمة، ويحاولون إقناعهم بأن الغرب يسعى إلى «استعمار جديد» لبلاد المسلمين.. ولكن عن طريق تغريب المسلمين في كل شيء، وخاصة في التعليم. ومن ثم فإن الواجب هو فهم الغرب ثم محاربة هذه الأفكار. كما تحدثوا معهم عن الحكومات العربية، التي اتهموا معظمها بمساندة الغرب في هذه الأفكار، والقول من ثم إن هذه الحكومات لا تسير على المنهج الإسلامي.

وحقا، استطاع قادة «الصحوة» اكتساح الشارع العربي بشكل واضح، لأنهم كانوا قريبين من أفكاره وآماله، كما أنهم خاطبوا في جيل الشباب عاطفته الدينية فاستطاعوا أن يكونوا الأقرب له، ولا يزالون.

بعد هذا يأتي السؤال: هل سيقوم «الصحويون» بتحدي الحكومات بعد أن اكتسحوا الشوارع؟

في اعتقادي أن هذا لن يحصل، ولكن علينا (مرة أخرى) أن نحدد مفهوم «التحدي». فإذا كان مفهوم «التحدي» هو السعي لإزالة الحكومات فهذا (حسب اعتقادي) لن يحصل لأن تاريخ «الصحويين» الطويل يثبت أنهم لا يؤمنون بخروج المسلمين على حكوماتهم، وأن مبدأهم المجاهرة بالمطالب الإصلاحية التي يرونها محققة لمواصفات الدولة الإسلامية.

وهناك من يقول: إن «الصحويين» و«الإخوان المسلمين» يسعون للوصول إلى الحكم. وأنا مع هذا القول غير أنني أرى أن سعيهم في هذا الإطار يتفق مع القوانين التي وضعتها حكوماتهم. فهم دخلوا الانتخابات الرئاسية في مصر وفازوا فيها، كما دخلوها في تونس وفازوا بالأغلبية في البرلمان، وكذلك حصل في المغرب.

وبناءً عليه، فإن هذا السعي لا يحطّ من قيمتهم أو يطعن في شرعية فعلهم. ذلك أنهم في نهاية المطاف لا يختلفون عن بقية مواطنيهم الذين يسعون إلى الحكم مثلهم، وأيضا بالطرق التي لا تتنافى مع الدستور.

وخلاصة القول: إن من يطلق عليهم اسم «صحويين» لا يسعون إطلاقا إلى الخروج عن الحكومات، بل يرون أن من حقهم التغيير والإصلاح بالطرق المشروعة.. دينا ودستورا.

* أكاديمي وكاتب سعودي