هل أخطأت دول الخليج في تعاملها مع الثورة؟

نعم- ... ولكن في تأخرها بدعم الثوار

TT

كانت دول مجلس التعاون، في رأيي، بطيئة إلى حد ما في رد فعلها وتطويرها سياسة حاسمة تجاه الوضع السوري، وآن الأوان لكي تكون أكثر تواصلا وعلنية في مواقفها واستراتيجيتها في هذا الشأن.

لقد كانت المقاربة الخليجية متحفظة وخجولة بالمقارنة مع ما قدمته وتقدمه إيران، التي كانت - ولا تزال - على متابعة لصيقة للوضع في سوريا منذ اندلاع الثورة، ماليا وعسكريا وعقائديا لنظام بشار الأسد. وكانت تعتمد أكثر مما ينبغي على دور قيادي من قوى كالولايات المتحدة أو تركيا.

إنه لمن نافلة القول أن حصيلة الحرب الدائرة حاليا في سوريا ستكون بالغة الأهمية بالنسبة لمستقبل العالم العربي. وفي اعتقادي، لن يكون بوسع إيران أو «الجهاديين» السنة، ولا حتى دول الغرب وروسيا، تقرير مصير هذا النزاع، بل يجب أن تكون دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسها السعودية، اللاعب الرئيس في التعامل مع هذا النزاع الدراماتيكي الذي يمثل فصولا، وعلى مختلف المستويات. لقد صور نظام الأسد، ومن خلفه داعمه الإقليمي الأساسي إيران، النزاع في سوريا على أنه «حرب طائفية»، يواجه فيها المسلمون المعتدلون، ومعهم القوى المناوئة للإمبريالية، الجماعات السنية «الجهادية» و«التكفيرية» - كما جاء في وصف السيد حسن نصر الله للمعارضة السورية. ولقد أثبت هذا التصوير نجاعة وفعالية فائقتين في إقناع إدارة أميركية منهكة ومتحفظة بتحاشي التورط في الحرب السورية. فيما يخص أميركا بالغة الحذر من خوض الحروب، يقودها رئيس مفرط في الحيطة والحذر اسمه باراك أوباما، ما كان ثمة مجال للمفاضلة بين نظام تسلطي تدعمه إيران في جانب، وجماعات «جهادية» على صلات بتنظيم القاعدة في الجانب المقابل. فالطرفان متساويان في السوء، وعلى هذا الأساس بنت الولايات استراتيجيتها على أدنى مستوى ممكن من التدخل.

وبين العوامل التي ساعدت على تصديق رواية إيران وحزب الله حول ما هو حاصل في سوريا، تركيز الرواية على إقدام «الجهاديين» على تدمير المزارات والقبور، وكذلك قطع رؤوس أتباع الأسد وعسكرييه والتمثيل بجثثهم، بل كان التركيز الأكثر دقة وخصوصية في الرواية الإيرانية للأحداث هو ذلك الذي سلط الأضواء على مزار السيدة زينب في دمشق، وجعله رمزا للمواجهة بين قوة الاعتدال والتطرف. وبما أن دول مجلس التعاون تدعم المعارضة، شددت الحجج الإيرانية على أن الدول المذكورة تدعم، عمليا، المتطرفين العنفيين الساعين إلى التدمير والتقتيل.

بناء على ما سبق، على دول مجلس التعاون التصدي لهذه الرواية لسير الأحداث. ومن الوسائل الممكنة في إطار هذا التصدي، إعلان استنكار هذه الدول - من دون مواربة - لتطرف الجماعات «الجهادية» فكرا وعملا، ولا سيما بالنسبة لتعدي هؤلاء على المراكز الدينية. وفي هذا السياق، يمكن، على سبيل المثال، إعلان مزار السيدة زينب موقعا يحظر على أي فصيل من فصائل المعارضة محاولة هدمه أو الاعتداء عليه بأي شكل من الأشكال وتحت أي ظرف كان.

إن إعلان مواقف رسمية من هذا النوع، وعرض لروايات مختلفة لما يحدث في سوريا، سيكونان نقلة مهمة لجملة من الأسباب:

السبب الأول، هو أن الرواية الطائفية الإيرانية تغطي على ما يعانيه المواطنون السوريون المعارضون لحكم الأسد من اضطهاد وقمع وحشي، إذ يصار إلى تصويرهم وكأنهم جماعات «راديكالية» ينصب همها على ارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق الشيعة ومزاراتهم، مما يستوجب قتالهم مهما كلف الأمر.

السبب الثاني، هو أن الرواية الإيرانية، تتعمد إغفال حقيقة أن السعودية، بالذات، تصدت بيد من حديد لزمر «القاعدة» والجماعات المتطرفة المرتبطة بها داخل المملكة، وفي اليمن وفي أماكن أخرى. وبالتالي، سيكون من قبيل الافتراء والكذب أن تلصق بالسعودية تهمة مساندة «القاعدة»، وهي تهمة باطلة، احتاج دحضها قرابة عقد من الزمن بعد اعتداءات «11 سبتمبر».

السبب الثالث، أن الدعم العسكري الأميركي للمعارضة السورية لن يتحقق ما لم يتبين أن هذه المعارضة ليست واجهة لـ«القاعدة» أو جماعة تابعة لها. والواقع، أن كثيرين في الولايات المتحدة مقتنعون حقا بأن المعارضة على صلة بـ«القاعدة». وبناء عليه، يعول بالتحديد على السعودية، بما لها من معرفة دقيقة بالشؤون الإسلامية، وخصوصا التيارات «الجهادية»، في توضيح الاختلاف الجوهري بين الأقلية «الجهادية» الراديكالية والأكثرية من المعارضة المشروعة لنظام دمشق.

لا يخدم مصلحة سوريا ولا يخدم العالم العربي السماح لإيران بتشويه صورة المعارضة وجعلها على هيئة جماعات من الإرهابيين المتطرفين، وسيكون من الأهمية بمكان أن تبادر الدول الخليجية، وعلى رأسها السعودية، إلى تهميش الشراذم «الجهادية» التي تقاتل راهنا على الأراضي السورية. وهذا أمر متيسر عبر إدانة تجاوزاتها وأفكارها وتكفيرها الآخرين.

إن الحرب التي تشتعل نارها في سوريا اليوم لا تخاض لغايات مذهبية طائفية، بل بهدف تحقيق العدالة لجميع المواطنين السوريين من دون تمييز أو تفرقة، وهذا هو المطلوب، ليس فقط من الدول الخليجية، بل من جميع دول العالم.

* أستاذ دراسات الشرق الأدنى في جامعة برينستون بالولايات المتحدة الأميركية