... وهل تتوقع أن يكون للثورة ، بالذات في شقها «الجهادي» ، تداعيات سلبية على دول الخليج؟

نعم- .. فأي انتصار يحققه هؤلاء في سوريا سيشجعهم على تكرار التجربة بأمكنة أخرى

TT

مع البدء بانسداد الأفق في وجه الجماعات الإرهابية العاملة في سوريا، بدأت أسئلة كثيرة تطرح عن مستقبل تلك الجماعات التي تعمل تحت عناوين شتى، يجمعها زعم بأنها تتصرف بفكر جهادي إسلامي، تتلاقي فيه مع التنظيم الأم «تنظيم قاعدة الجهاد» – أو ما يعرف اختصارا بـ«القاعدة»، وهو التنظيم الذي أعلنت أميركا حربا عليه بعد 11 سبتمبر (أيلول) 2001 باعتباره تنظيما إرهابيا، أو كما تصفه بأنه «رأس الإرهاب العالمي»، حيث يقول الرئيس الأميركي باراك أوبامإ أن الحرب عليه كلفت أميركا سبعة آلاف جندي وتريليون دولار أميركي... ولم تقض عليه، إنما أضعفته فقط.

في البحث عن مستقبل هذه الجماعات وطبيعة تصرفها، ورغم أن المشهد الميداني القائم في سوريا وتطوراته الأخيرة يكاد يؤكد أن لا أمل لهذه العصابات بتحقيق إنجاز ميداني يمكن صرفه سياسيا، فتقيدا بقواعد البحث العلمي نرى أن نواجه فرضيتين قد تحكمان تصرف تلك الجماعات.

الفرضية الأولى نعرض لها رغم وهنها حتى استبعاد التحقق، وهي تقوم على القول بأن الجماعات المنضوية في تنظيم القاعدة ومتفرعاته ستتجه، في حال تمكنت من تحقيق إنجاز ما في سوريا بإسقاط النظام وإقامة حكمها أو اقتطاع حيز جغرافي من سوريا تسيطر عليه، إلى أمكنة أخرى في العالم العربي لتكرار التجربة. وستكون الخبرة التي كسبتها في سوريا، بالتالي، حافزا لها في الانطلاق السريع باتجاه دول آمنة الآن، ويأتي في طليعتها دول الخليج، التي ترى «القاعدة»، كما يصرح قادتها، دولها لا تطبق الإسلام كما يريد تنظيم القاعدة.

ولهذا، نرى أن تحقيق هذه الجماعات أي انتصار في سوريا، حتى ولو كان جزئيا، بإسقاط النظام وإقامة حكمها أو اقتطاع حيز جغرافي من سوريا تسيطر عليه، فإنها ستستغل النجاح وتتوجه إلى أمكنة أخرى في العالم العربي لتكرار التجربة، مطمئنة إلى نجاعة إرهابها في تحقيق أهداف سياسية.

وفي اعتقادي أن الخليج سيكون ميدانها المفضل لأكثر من اعتبار، ليس أقله ضخامة الثروات فيه ووهن المنظومة الأمنية والعسكرية في بعض دوله وحاجتها في المواجهة إلى دعم خارجي لن يتوافر بسهولة، بعدما تخلت أميركا والحلف الأطلسي عن استراتيجية «القوة الصلبة» وفتح الجبهات. وما قول أوباما الأخير إلا مؤشر على رغبة أميركا في وضع حد لحروبها والسعي لإقفال الجبهات القائمة من دون فتح جبهات جديدة.

الفرضية الثانية، وهي الأرجح وفقا للواقع القائم، وتتمثل باستعادة الجيش السوري السيطرة على المناطق التي خرجت من يده واضطرار خلايا «القاعدة» - بأسمائها المختلفة – إلى الخروج من سوريا والبحث عن ملاذ آمن أو ميدان عمل جهادي جديد. وهنا، نرى أن تنقسم تلك الجماعات إلى فئات ثلاث:

* الفئة الأولى: ستبحث عن ميدان جهاد جديد، يرجح أن يكون بشكل أساسي في لبنان والأردن ولا سيما بعض دول الخليج، حيث توجد قواعد عسكرية أميركية. وسيبرر هؤلاء قتالهم، إضافة إلى شعار الحكم الإسلامي، بشعار آخر هو «تطهير بلاد المسلمين من الوجود الأجنبي الكافر»، وفقا لما يعتمدونه في تعابيرهم.

* الفئة الثانية ستبحث عمن تنتقم منه، لأنه – برأيها – خذلها ولم يمدها بما يمكنها من الثبات والانتصار في سوريا، إن لجهة الفتاوى التي صدرت عن هذه الجهة أو تلك بـ«رفض اعتبار القتال في سوريا جهادا، مما أدى إلى خفض تحشيد الجهاديين»، أو لجهة «التقصير» في الإنفاق وتوفير مستلزمات القتال، مما أدى إلى خفض في القدرات العسكرية وقاد إلى الهزيمة.

* الفئة الثالثة، ستصاب بالإحباط واليأس وتنسحب من المواجهة وتنكفئ إلى مواطنها الأصلية، وهنا سيكون تصرفها رهنا بالظروف المتشكلة، ولا يستبعد أن يعود حنين هؤلاء إلى العمل المسلح وممارسة الأعمال الإرهابية في دولهم ذاتها.

تأسيسا على ما تقدم، يلاحظ أن خطر الإرهاب وانتقاله إلى خارج سوريا، أو ارتداده على دول الموطن الأصلية للإرهابيين، أو دول أخرى خاصة دول الخليج العربية مع الأردن ولبنان - خطر جدي مهما كانت نتائج الحرب في سوريا ومصير النظام فيها، ذلك لأن شيوع ثقافة العنف والعمل المسلح سيؤدي إلى نشوء إدمان ممارسة الإرهاب، ونرى فيما حدث في بريطانيا مؤخرا مثلا واضحا على ذلك، وهو خطر لا يمكن لدولة بمفردها أن تتصدى له، ولا يوجد حل للمعضلة إلا بتشكيل منظومة أمن إقليمي منسقة الأداء تتصدى بشكل تكاملي لهذه الظاهرة وتحتوي أخطارها.

* ضابط متقاعد وأكاديمي وباحث استراتيجي لبناني