هل تضاءلت فرص التغيير نتيجة حصر عدد المرشحين للرئاسة الإيرانية؟

نعم- لكن النظام مأزوم.. وإيران تظل على مفترق طرق

TT

الانتخابات الرئاسية الحادية عشرة في إيران فقدت «نكهتها»، لكنها لم تفقد جدواها. استبعاد الشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني، ومعه إسفنديار رحيم مشائي، ألغى التعددية السياسية التي ترفع الحرارة الشعبية في الانتخابات، وبهذا تحولت المنافسة ضمن «بيت» المحافظين المتشددين المتعدد «البيوت»، وحافظ بذلك «المرشد» آية الله علي خامنئي على فرض وصايته الكاملة على مسار الحملة الانتخابية أولا، وفي ترجيح كفة أحد المرشحين بين المتساوين في الوزن هم: محمد باقر قاليباف وسعيد جليلي وعلي أكبر ولايتي.

لكن الأهم بالنسبة لخامنئي أنه منع أي واحد غيره، وخصوصا رفسنجاني، من أن يكون «المنقذ»، بعدما تبين للجميع حجم الكارثة التي تعيشها البلاد نتيجة للانغلاق السياسي وما أنتج من مقاطعة اقتصادية غربية.

جدوى هذه الانتخابات الرئاسية أنها تأتي في وقت تقف فيه إيران أمام مفترق طرق من المفروض أن يتم الاختيار بينها، مما سينتج عنه تحديد مستقبل النظام وحتى إيران.

طبعا التحدي الكبير الذي يواجهه «المرشد» أن يحصل إقبال شعبي على صناديق الاقتراع لكي تقع «الملحمة السياسية» التي طالب بها وتوقعها لتوجيه رسالة إلى الغرب بأن الالتفاف الشعبي ما زال قويا ومتماسكا.

طبعا دمج انتخابات الرئاسة بالانتخابات البلدية قد يسمح بحدوث إقبال شعبي، لكن المطلوب أن تبلغ أو تتجاوز نسبة المقترعين 85 في المائة التي قيل رسميا إنه تم تسجيلها في الانتخابات السابقة، عندما فاز محمود أحمدي نجاد بولاية ثانية فوقعت «الانتفاضة الخضراء»؛ لأن معظم الإيرانيين شعروا أن عملية تزوير حقيقية قد وقعت.

الانتخابات ستسمح إذن للإيرانيين بالتعبير عن غضبهم، وحتى في معرفة طريقة عمل النظام في تصوير ما سيحدث كـ«ملحمة سياسية» أم «مجزرة للديمقراطية»، وهذا كله سيؤثر حكما على مجرى التطورات وإنضاج الرأي العام الشعبي بدلا من أن يبقى كل شيء غامضا وخاضعا لتقديرات غير واقعية.

يعرف الإيرانيون، قبل العالم، حجم الأزمة الاقتصادية وعمق الأزمة داخل النظام؛ لأنهم يدفعون كلفتها يوميا من معيشتهم وتراجع قدراتهم الشرائية، وفقدان فرص العمل وعدم إمكانية السفر إلى الخارج، لكن مهم جدا سماع اعترافات لاعبين مهمين في النظام، ومنهم من سيكون رئيس الجمهورية المقبل، وهم يعترفون بالوقائع والأرقام غير المتداولة علنا.

رفسنجاني كشف عن أن «الدولة مدينة للمصارف بمبلغ يصل إلى 200 مليار دولار، وأن الصين والهند استوردتا النفط ولم تدفعا ثمنه، وأن الأولى أرسلت بضائع مثل الأدوية الزراعية التي أهلكت الزرع». ووصل الأمر به إلى القول: «البلاد يحكمها زعماء جهلة عديمو الكفاءة».

أما المرشح محمد غرضي فقد اختصر الأزمة بقوله: «كان سعر صرف الدولار في عهد الشاه ثلاثة ريالات، أما الآن فإن سعر الدولار 35000 ريال».

يمكن إيراد الكثير مما قاله المرشحون حول وضع الاقتصاد الذي «يشبه سيارة محركها معطل وتقف على حافة الهاوية»، لكن تبقى المشكلة أن أيا من المرشحين لم يتقدم فعلا بخطة مفصلة ومستندة إلى أرقام لإنقاذ البلاد.

جدوى هذه الانتخابات أنها ستوفر بطريقة غير مباشرة معرفة توجه «الحرس الثوري» في الإمساك بالقرار السياسي بعدما أمسك نهائيا بمفاصل القرار الاقتصادي.

والسؤال الكبير هو هل سيقبل «الحرس» متابعة حضوره السياسي، وهو الذي أصبح، كما يقول الرئيس المنفي أبو الحسن بني صدر، «حزبا مسلحا» تحت عمامة «المرشد»؟ أم أنه سيطالب بدور أكبر، خصوصا في اختيار «الولي الفقيه» المقبل؟ ولا شك أن قرار «الحرس» في ترجيح كفة أحد المرشحين جليلي وقاليباف ستشكل مؤشرا لمساواته في المستقبل.

الملف النووي موضع إجماع إيراني، لكن المناظرات والتصريحات أكدت حجم الخلافات وعمقها بين المرشحين والمستبعدين حول طرق معالجة العلاقات مع «أم المشاكل» الولايات المتحدة الأميركية.

«الحوار» الذي كان مجرد لفظه يشكل خيانة موصوفة أصبح موضع إجماع بين المرشحين قبل شطب 678 مرشحا، من بينهم علي فلاحيان وزير الأمن الأسبق. وما إعادة «المرش» هذا المطلب إلى دائرة التخوين إلا لأنه يريد الانفراد بهذا الملف، الذي يعتقد أنه كلف مستشاره علي أكبر ولايتي بحمل رسائله إلى الإدارة الأوبامية.

أخيرا، وهو مهم جدا ما كان يتم تداوله من باب الطرح الفكري أو المرجعي أصبح كما يبدو من صلب الحالة السياسية حاليا.

مسألة «ولاية الفقيه»، عماد النظام في «الجمهورية الإسلامية»، وضعت موضع تساؤل تحت بند: ماذا بعد ولاية خامنئي، خصوصا أن استمرار الصيغة التي يقود بها «المرشد» البلاد، وبعد رفضه حتى التعامل مع سياسي قدير لديه الخبرات والقدرات مثل رفسنجاني؟

الرئيس السابق محمد خاتمي – كما نقل عنه – قال أمام أنصاره إن الحل يكمن في وضع الولاية في «مجلس شورى» بحيث لا يكون القرار لشخص واحد يتحول بفعل صلاحياته ونفوذه إلى ديكتاتور. ولهذا الاجتهاد أركانه، وكان من أبرزهم آية الله الراحل السيد محمد حسين فضل الله. من المؤكد أن هذا الحل لن يطبق غدا، لكن المهم أنه لن يكون حجرا يستقر في قعر ماء بحيرة راكدة. وبالتالي فإن النقاش فتح داخل إيران وعلى أعلى المستويات حول مستقبل النظام «ولاية الفقيه».

* كاتب ومحلل سياسي لبناني