هل تضاءلت فرص التغيير نتيجة حصر عدد المرشحين للرئاسة الإيرانية؟

لا- ليس بالضرورة.. وأي رئيس جديد ستكون له بصماته الخاصة

TT

تبدو الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقررة يوم الجمعة المقبل بعيدة تماما عن أن تكون حرة أو نزيهة؛ إذ جرى من قبل اختيار المرشحين النهائيين الذين سمح لهم بخوضها، ولم يسمح في ساحة التنافس بوجود أي شخصية معارضة، كما حظرت التغطية الإعلامية لأي تجمع أو أي خطاب لأي شخص مناوئ لسياسات «المرشد الأعلى». ومن ثم كائنا من كان المرشح الفائز فإن آية الله علي خامنئي والملالي المحافظين المحيطين به سيحتفظون بسيطرتهم على الحياة السياسية في إيران.

هل هناك إذن جدوى من الانتخابات؟ وهل لها أي قيمة من الناحية الديمقراطية؟ وهل سيكون لها أي تأثير مختلف على حياة الإنسان الإيراني أو علاقات إيران بالعالم؟ أعتقد أن الإجابة على الرغم من القيود والتضييق.. «نعم»؛ ذلك أنه حتى في الأنظمة التوتاليتارية ثمة بصمات خاصة للشخص المعني.

صحيح أنه من المستبعد أن يتحدى الرئيس الجديد سلطة المؤسسة الدينية، أو يغير سياسات إيران في الخليج والشرق الأوسط، أو يقدم على محاكمة أي موظف أو مسؤول بتهم فساد إذا كان هذا الموظف أو المسؤول محسوبا على «الحرس الثوري» العظيم النفوذ. لكنه، مع ذلك سيكون شيئا مختلفا. وأي تغييرات قد يعتمدها ستؤثر على معيشة جميع الإيرانيين. ولكن هل ستحسن هذه التغييرات أم تفاقم الأوضاع المعيشية للمواطن العادي؟ هذا يعتمد على شخصية الفائز، وطموحه، وما إذا كان محافظا أو «مشروع إصلاحي»، أو إذا كان حقا يتحلى بالشجاعة والإصرار على قيادة إيران في اتجاه جديد.

لا أعتقد أن هذه الانتخابات ستكون تكرارا لسابقتها عام 2009؛ ذلك أن «مجلس صيانة الدستور» - المكون من جهاز مختار من المتشددين الموثوقين - رفض أصلا ترشيح أي مرشح يمكن أن يشكل تهديدا لخامنئي، بل كان بين من رفضت ترشيحاتهم الرئيس السابق الداهية علي أكبر هاشمي رفسنجاني؛ لعلم «المجلس» بأنه الشخص الوحيد الذي يتمتع بما يكفي من الكياسة السياسية والسمعة الكبيرة لتحدي هيمنة خامنئي.

كذلك سحقت «الحركة الخضراء» المشكلة من المحتجين الغاضبين الشباب، الذين أطلقوا الحراك الشعبي الغاضب من الغش والتزوير اللذين ضمنا إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد في 2009، ومن المستبعد أن نشهد هذه المرة مظاهرات واحتجاجات على النتيجة، لا سيما أن السلطات أحجمت هذه المرة عن الكشف عن هوية مرشحها المفضل بين المرشحين الثمانية.

ولكن مجرد إجراء الانتخابات زاد الآمال بأن بعض القضايا ستطرح على بساط البحث. على رأس هذه القضايا وضع الاقتصاد.

لقد ارتفعت كلفة المعيشة كثيرا، وصار الوقود والطعام والكماليات غالية الثمن جدا. وسببت العقوبات الأميركية الأخيرة المسددة إلى الريال الإيراني انهيار قيمة صرف هذه العملة.. قطاع الأعمال يعاني، ومصانع كثيرة مهددة بالإغلاق، والمواطن الإيراني لا يملك المال الكافي للسفر إلى خارج البلاد.

القضية الثانية هي الفساد. لقد غدا «الحرس الثوري» (أو «حراس الثورة») نخبة فاعلة ومتجذرة تسيطر على قطاعات واسعة من الاقتصاد الإيراني. وحصل أعضاء قياديون من «الحرس» بصورة غير قانونية على مبالغ طائلة من العملة الصعبة كانت مرصودة لشراء الأدوية ولوازم المستشفيات، واشتروا السيارات الرياضية الفاخرة وغيرها من السلع الثمينة البعيدة تماما عن متناول معظم الإيرانيين. وهو ما أثار سخطا واسعا على المستوى الشعبي، وبالتالي فإن أي رئيس جديد سيجد نفسه مجبرا على التصدي لهذا الفساد المستشري الفج.

القضية الثالثة، وإن كان النقاش حولها لا يزال مكتوما، هي الحرب في سوريا؛ فالإيرانيون غاضبون من إنفاق النظام مبالغ هائلة من المال لدعم بشار الأسد، ناهيك بإرساله عسكريين إيرانيين إلى سوريا لمساندة قواته. وبناء عليه، سيتوجب على الرئيس الجديد أن يقرر ما إذا كان بمقدوره الإبقاء على هذا المستوى المكلف من الدعم لدمشق وحليفها حزب الله.

القضية الأخيرة هي خطط إيران النووية وعلاقاتها مع الغرب. خامنئي رفض أساسا أي تلطيف للعلاقة المتوترة مع واشنطن، وأصر على مواصلة إيران السعي للحصول على القنبلة النووية، غير أن الشارع الإيراني مستاء من عزلة إيران الطويلة عن العالم، وستكون هناك مطالبات جديدة من ملايين الشباب بتغيير الاتجاه.

ما يهم في كل ما سبق هو كيف سيتصرف الرئيس الجديد. إن خمسة من المرشحين الثمانية يمثلون عمليا التيار المحافظ، مقابل مرشح وسطي ومرشح إصلاحي ومرشح ثالث مستقل لا يعتبر مرشحا جديا.

من الصعوبة بمكان تخمين اتجاه أصوات الناخبين، مع توقع أن يكون الإقبال على التصويت عاليا. ومجددا ستكون أصوات المناطق الريفية الشديدة الولاء للنظام رصيده الأقوى، ويرجح أن تصب أصواتها للمحافظين، غير أن هذه الأصوات المحافظة ستتوزع على خمسة مرشحين. ولا أحد يعرف سلفا مَن مِن المرشحين الاثنين البارزين - محمد باقر قاليباف عمدة طهران، وسعيد جليلي كبير المفاوضين النوويين - هو المرشح المفضل عند المؤسسة الدينية و«الحرس الثوري» منفذ رغبات النظام.

كثرة من الإيرانيين، ولا سيما من الطبقة الوسطى وجيل الشباب، ترى أن أي تغيير سيكون محدودا للغاية، غير أن الانتخابات فرضت على المرشحين التطرق إلى القضايا الحساسة التي أهملها الإعلام طويلا.

بعد 14 يونيو (حزيران) لن يكون ممكنا تغييب هذه المسائل الملحة لفترة أطول، وهذا الجانب في حد ذاته كفيل بإضفاء مسحة من الأهمية على الانتخابات.

بغض النظر عن هوية الفائز يوم الجمعة المقبل، ستدخل إيران عهدا جديدا، وسيتوجب على الغرب والعرب إعادة تقييم سياساتهم.

* كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الأوسط يكتب لصحيفة «التايمز»