هل هناك مبرر للتفاؤل بقدرة الشباب العربي على مواجهة تحديات المستقبل؟

نعم- .... هناك أكثر من مبرر للتفاؤل بمستقبل الشباب العربي

TT

ليس هناك شك في أن طرح مفهوم «الشباب» مقرونا بكلمة «مستقبل» يحيلنا إلى جدلية تنبش في التاريخ تارة، وترنو إلى المستقبل طورا، والحديث عن الشباب في الوطن العربي، الممتد من المحيط إلى الخليج، والممتد جغرافيا وسياسيا إلى أكثر من عشرين كيانا آثر المجتمع الدولي إطلاق اسم دولة على كل كيان منها، وفق مقتضيات ميثاق الأمم المتحدة الصادر في 1945، هذا الحديث يحيلنا إلى طرح سؤال الحيرة:

لماذا تقل مبررات التفاؤل عندما يهم الحديث عن شبابنا العربي ومستقبله في هذا الظرف الإقليمي والدولي؟ ثم لماذا يكون البحث في هذه المعادلة، «الشباب العربي والمستقبل» مقابل مبررات بل ومسوغات التفاؤل، بمثابة «الخط الأحمر» بمجرد أن يتراءى التحدي الأول المتمثل في الحداثة والتحدي الثاني الذي يعني المؤسسات؟

الشباب العربي، مثله مثل شباب كل العالم، يمسك بالحلم بيسراه، وبيمناه يتمسك بهويته وانتمائه. إذ ليس صحيحا أن حديث الهوية يتعارض مع مستلزمات العصر من تقدم تكنولوجي وتطور اجتماعي واقتصادي وانفتاح على الفرد في فردانيته بكل أبعادها المتشعبة، نظرا إلى أن مفهوم الهوية، ارتبط بغير وجه حق، بالبعد التاريخي وبالأيام الخوالي.. وقد تناسى أصحاب هذه النظرة أو التقييم أن التقدم الحضاري والعلمي هو في حد ذاته هوية، يحلم الشباب بقدها وصقلها وبث روح المغامرة فيها.

قد تبين من خلال تجارب الشعوب الشبيهة بنا من حيث المسار التاريخي والصراع مع الاستعمار، ونقصد بلدان وشعوب أميركا اللاتينية، أن الشباب تعاطى بإيجابية وارتدى جلباب التفاؤل والنضال المستقبلي من نافذة الفعل لا من زاوية رد الفعل، وذلك عندما تماهى الشباب في البرازيل وفي نيكاراغوا وغيرهما من بلدان أميركا اللاتينية، مع برامج الحداثة السياسية، فكانت الثورة على الفقر والانقلاب على التبعية للخارج، من دون رداء الثورة البلشفية، إذ من خلال الصندوق وحده قلبت هذه البلدان موازين حياتها، فكان أن رفع الشباب تحدي الحداثة وتحدي المؤسسات، لأن تحولات بلدان المنطقة من بلدان خاضعة للهيمنة، ومسلوبة القرار الوطني، إلى دول تضمن فيها كل متطلبات الديمقراطية، من تداول للسلطة عبر الانتخابات، إلى فصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وصولا إلى هيكلة العلاقات الاجتماعية والسياسية على أساس المواطنة.

هذا المشهد لا نعتبره غريبا عن الوطن العربي، رغم بعض المزاعم غير المبررة، التي تشكك في إمكانية أن يكون العقل العربي خلاقا، أو ترى أن الشباب العربي لا يمكنه رفع التحدي الأقوى الذي يقف أمامه، ونقصد ثنائية الحداثة والمؤسسات.

الشباب العربي، كما بقية فئات الشعب العربي، ما زال يطمح إلى تحقيق حلمه في بناء المؤسسات المكونة للدولة. إذ صحيح أن الإنسان العربي بشكل عام لم يتعود على المشاركة في صنع القرار بكل أصنافه السياسية، والاقتصادية تحديدا، لأن الإقصاء يظل دوما ديدن الديكتاتورية، وسبيل الأيادي المرتعشة، وضالة الخانعين للهيمنة الأجنبية. لكن هذا المشهد المثبط للعزائم لا يعني أنه قدر محتوم في زمن تتنافس فيه مدرجات العلم والمعرفة بين كل الشعوب في أصقاع الأرض، وبين مكونات العقل الخلاق الذي يمكن عبر الإبداع أن يجعل أهم فئة ناشطة في المجتمع تتقدم من أجل فرض وجودها من ناحية، وأن يتم الاعتراف بها من ناحية أخرى حتى يتمكن الشباب من التدرب على اعتماد الفعل المؤسس للدولة الحديثة، الدولة التي يكون فيها القرار الوطني مستقلا، من دون ضجة شعاراتية، لأن الممارسة والدربة هما سبيل الحداثة.

المستقبل له شباب يصنعه. لكن صناعة المستقبل لا تتم في الوطن العربي بالذات، إلا متى كفت الأيادي عن الارتعاش، وانكفأ الحاكم عن الارتهان لدى الآخر، ظنا منه أن القوة الخارجية هي حامية كرسي الحكم، إذ إنه متى انقشعت هذه السحب التي تحجب الرؤية عن الشباب العربي، سوف ترى كيف أن الحداثة موطنة فينا كعرب، وأن ابن خلدون عندما ذكر في «المقدمة» أن «الإنسان مدني بطبعه» كان يتحدث في القرن الرابع عشر عن الإنسان في هذه الديار ولم يكن يقصد سويسرا ولا نيويورك ولا حتى طوكيو.

الحداثة متجذرة فينا نحن العرب، إذ غير صحيح القول إننا غرب عنها.. كذلك الشأن بالنسبة لمؤسسة الدولة. فالشباب العربي لا يراد له من الحداثة سوى القشور. نعتمد اليوم، ونحن نعيش حصاد العلم والمعرفة، في كل المدارس والجامعات العالمية، وبالتالي العربية، أن التحدي الأكبر اليوم، أمام الشباب العربي، هو توصله إلى اعتماد مقاربة الفكر الدائري، الذي كلما حول بصره وهدفه من حوله كانت الإفادة والاستفادة حاصلة، ذلك أنه وعلى عكس ما تروج له بعض المدارس الغربية فإن الفكر مسطح، الأول وخلفه الثاني، وبالتالي فإن المركز الأول هو من يصنع المستقبل ويبني الحاضر.

الحداثة كما المؤسسة، ليستا تحديات بمثل صخرة سيزيف، التي يصارع صاحبها سفح الجبل صعودا ونزولا، وهي كرب يحمله على ظهره، بل هما ضمن مؤشرات ومرتكزات البناء ولرفع التحدي. والشباب العربي الذي أسهم بجدية وفاعلية في الحراك المستجد في أكثر من ساحة عربية هو الذي يصنع هذا الواقع العربي الجديد.. ولن ينفك عنه ولن يسمح بإقصائه مرة أخرى.

فقط هناك وزر يثقل كاهل الشباب العربي اليوم، ويتمثل في تغيير المفاهيم السائدة عن الشباب العربي.. وعن العقل العربي الذي يراد تصويره عقلا خانعا لا عقلا خلاقا. يكفي أن نذكر بأن بناة الحضارة الإنسانية سجلهم التاريخ تحت يافطة الشباب.

* إعلامية تونسية.. رئيسة تحرير صحيفة «الشروق»