هل هناك مبرر للتفاؤل بقدرة الشباب العربي على مواجهة تحديات المستقبل؟

لا- .... صعود الأصولية يعرقل التفاؤل بالمستقبل

TT

ليس من السهل الإجابة عن سؤال بشأن قدرة الشباب العربي على التفاؤل في مواجهة تحديات المستقبل. لكي تعلق على هذا لا يمكنك أن تتجاهل صعود الأصولية في دول الربيع العربي. ما يحدث ليس بالأمر السهل أو اليسير؛ فالعقبات تبدو كبيرة.

أولا، لا مجال للشك في الطفرة الكبيرة التي أحدثتها وسائل الاتصال الحديثة، وتسببت في اطلاع الشباب العربي الواسع على علوم وعلى حقائق لم يكن من الممكن أن يطلع عليها لولا هذه الطفرة. ظهر هذا واضحا أثناء ثورات الربيع العربي.

الأفكار التي كانت موجودة في دولة كانت تنتقل بشكل سريع جدا للدولة الأخرى، مثلما حدث من الشباب التونسي وتأثر به الشباب المصري، خاصة أثناء عمليات مواجهة قوات الأمن في الشوارع، وطرق اتقاء تأثير القنابل المسيلة للدموع، وغيرها. أضف إلى ذلك أن التونسيين، على سبيل المثال، كانوا قد تمكنوا، وعبر وسائل الاتصال الحديثة، كالإنترنت وخلافه، من الاطلاع على الثورات التي حدثت عبر التاريخ في أوروبا، بما في ذلك الثورة الفرنسية.

ومع ذلك يظل هناك أمران يسيران جنبا إلى جنب حتى الآن، وهما أنه يوجد ما يدعو للتفاؤل، ويوجد ما يدعو للقلق وعدم التفاؤل.

قدرات الشباب العربي يمكن أن تنمو بشكل كبير وتعطي أملا في المستقبل ومواجهة ما فيه من تحديات.. وبالتالي يمكن أن أقول واثقا إنه توجد أسباب لهذا، وذلك كما قلت بفضل الاطلاع والتعرف على الثقافات الأخرى من خلال وسائل الاتصال، وأيضا من خلال التصميم على التغيير، ومواجهة أي عقبات أصبحت في الحقيقة ضد حركة التاريخ.

ولكن، في المقابل، لا يمكن تجاهل قضية ظهرت في بلدان «الربيع العربي»، وأعتقد أنها أصبحت تمثل عقبة أساسية للتفاؤل بالمستقبل، وهو الصعود القوي جدا للجماعات الأصولية في المنطقة العربية والتي تقاوم أي شكل من أشكال الحداثة التي يمكن أن تعزز من ثقافة الشباب العربي وسعة أفقه وحسن تعامله مع الآخرين.. أي تجاه مجتمعهم ودولتهم بما فيها من مؤسسات. أعتقد أن موضوع الأصولية خطير، ومن الممكن أن يؤدي إلى وأد أي فكر من أفكار الشاب العربي الراغب في التقدم والحداثة وبناء المستقبل.

والآن أستطيع أن أقول إن المشكلة أمام الشباب العربي أصبحت معقدة بعد وصول الجماعات الأصولية للحكم في أكثر من دولة.. ومن المتوقع أن يسيطر هؤلاء الأصوليون أكثر وأكثر على مناهج التعليم وعلى الأنشطة الشبابية وعلى الوزارات الحكومية.

وفي مصر على سبيل المثال، يمكن القول إن من يسيطر على وزارة التعليم وزير من كوادر جماعة الإخوان المسلمين.. مثل هذه الوزارة عرضة لنشر الأفكار والتوجهات التي تتبناها الجماعة، وهو أمر كفيل بقتل أي شكل من أشكال الإبداع أو التنوع أو الابتكار أو قبول الآخر أو بناء رؤية للمستقبل.

الخطير في الأمر يتعلق بالجوانب الفكرية والعقائدية. على سبيل المثال في التجربة المصرية تستطيع أن ترى بوضوح تأثير الأفكار الأصولية التي تنشرها الجماعات الدينية، ومعظمها أفكار متطرفة، على واقع الشباب وطريقة نظرته للمستقبل، مما يوجد اليوم، بسبب مثل هذه الأفكار، حالة رفض للآخر حتى لو كان من مدرسة دينية مخالفة، واستهلاك طاقات الشباب في صراعات في هذا الاتجاه. وبدلا من توجيه طاقة الشباب إلى التفاعل مع التطورات التي تجري في العالم، تجد أنه يتم تفريغ طاقاتهم في صراعات تتركز على البعد الديني والطائفي.

بعض الجماعات الشبابية الكبيرة، من مناصري فرق كرة القدم بمصر، كان يمكن أن تكون رافدا للتقدم من خلال قدرتها على الحشد والعمل والتأثير بعد ثورة يناير (كانون الثاني) 2011، لكن الذي حدث أن إحدى هذه المجموعات تم استقطابها من جانب قيادات دينية لكي تستخدمها كأداة ضغط لتحقيق أغراض سياسية، وبالتالي تجد ألوف الشبان وقد انخرطوا في أفكار تقودهم إلى معارك وهمية وتحديات لا علاقة لها بالمستقبل. والمحصلة أن الذي يسيطر على مثل هؤلاء الآن الفكر الطائفي.

توجد حقيقة أخرى لا بد من وضعها في الاعتبار، وهي أن السبب في اتجاه العديد من الشباب إلى الانخراط في الاتجاه الأصولي المعرقل لأي فرص للتقدم، هو غياب الأحزاب السياسية المدنية القوية التي كان يمكنها أن تستقطب الشباب.. كما أننا ليس لدينا جمعيات أهلية قادرة على استيعابهم. ومثل هذا الموضوع منتشر في العديد من الدول العربية. فلا توجد الأفكار والمنطلقات المدنية القوية، ولكن أصبح يوجد تيار له بعد طائفي، وفي المقابل هناك ضعف في الكيانات الفكرية والثقافية المدنية، وهو أمر يضع العديد من الشكوك أمام المستقبل وتحدياته.

* من قيادات الثورة المصرية ورئيس حزب «حياة المصريين» وبرلماني سابق