.. وهل سيكون تحدي الحداثة ودولة المؤسسات أبرز هذه التحديات؟

نعم- .... وبالأخص أن الشباب هم الفئة الأكثر تعليما ومهارات بين شعوبهم

TT

نحن أمام فئة تشكل سبعين في المائة من مجمل سكان المنطقة العربية بحسب الإحصائيات الموثقة حتى عام 2012. فئة هي الأكثر تعليما بين شعوبها وتمتلك مهارات لم تتح للأجيال السابقة خاصة في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصال، الأدوات التي كان لها دور في «الانقلابات الشعبية» الأخيرة في بعض المجتمعات العربية، وهي التي أوصلت صوتها للعالم بالكلمة والصورة لتقول إنه قد آن الأوان لأن تكون مساهمة في صنع القرار.

لقد قفزت هذه الفئة العمرية إلى واجهة الأحداث والمجتمعات مقابل هيمنة فئة الأعمار المتقدمة، وباتت فجأة محل اهتمام الباحثين والإعلاميين، وباتت كلمة «شباب» مفردة سحرية تعبر عن قوة جديدة ناهضة أكثر مما تعبر عن فئة عمرية.

فئة الشباب قوة شعبية صاعدة على الرغم من انتمائها إلى كل الطبقات وتنوعها من الفقر إلى الغنى، من العلم العالي إلى ما يشبه الأمية بسبب التسرب من التعليم. تراها في مختلف الاتجاهات السياسية من الإسلاميين إلى الليبراليين المطالبين بمزيد من الحريات الاجتماعية والسياسية. ولا ننسى «الجندر» هنا، التنوع بين الإناث والذكور، مع ملاحظة أن النساء بتن رقما مهما في الحراك حتى لو تم تجاهله من الأنظمة القديمة والجديدة معا.

عندما نتحدث عن «الشباب» فنحن أمام فئة تملك القدرة الآن على التفاعل مع ثقافات العالم، سواء بسبب قدرتها على السفر أو متابعتها أخبار العالم عبر الفضائيات والعالم الرقمي. ولن تتوقف مطالبها عند حد ولا حتى بانحسار الربيع العربي كما يتوهم البعض، كونها الأكثر قدرة على الابتكار والإبداع والأكثر تطلعا للمستقبل بسبب يفاعتها وطاقتها الجبارة المخزونة في الروح والجسد معا. نحن أمام أمواج بشرية متدفقة لم تنجح برامج تحديد النسل في الحد من ارتفاع معدل ولاداتها قبل أكثر من ربع قرن، لفشل تلك البرامج على الأغلب. وبسبب هذا الانفجار من السكان الجدد المحملين بطاقة البحث عن دور، ستجد الحكومات العربية نفسها أمام مطالب بـ«عقد اجتماعي» جديد بين المجتمع والدولة يتوسع إلى آفاق أكثر تشاركية، يقوده هؤلاء الشباب بالنيابة عن كل أطياف المجتمع. وستكون الاستحقاقات المترتبة على هذا العقد مزيدا من الاهتمام بالتعليم، ليلاحق قدر الإمكان مستوياته في الدول النامية السائرة في طريق التقدم مثل ماليزيا. فترك التعليم للقطاع الخاص الذي يلجأ إليه الآباء من الفئات المقتدرة سيترك أبناء الفئات الفقيرة عرضة لتعليم بعض المؤسسات الدينية التي تروج لأفكار مضادة للحداثة عموما. وسيترتب على تحديث التعليم ضرورة تحديث وإصلاح الأنظمة القانونية القضائية والسياسية عموما. إنها نتيجة حتمية وليست بالضرورة آنية وسريعة. وإلا ستشهد تلك المجتمعات انتفاضة أخرى قد لا تكون ربيعا هذه المرة.

ولا يعني حديثنا عن مؤسسات الدولة أن مؤسسات المعارضة العربية ستكون بمنأى عن تحديات التحديث، فهي تعاني من الترهل أيضا ويسيطر عليها الجيل الذي يعرف بـ«الحرس القديم»، المتجاوز في الأغلب حتى جيل متوسطي الأعمار. وهذا ينطبق على كل الأحزاب من دون استثناء، يسارا ويمينا وإسلامية وسلفية. إما أن تفسح تلك الأحزاب في المجال للدماء الجديدة أو أن عمرها الافتراضي سينتهي بصورة طبيعية. توقعاتي أن الأجيال المقبلة ستتوزع على أحزاب ذات توجهات تستوعب قيم العصر بعيدا عن الآيديولوجيات وتميل إلى الليبرالية حتى لو كانت إسلامية، وهو ما تؤكده بعض الشواهد في أحزاب مصرية بعد ثورة «25 يناير».

في النهاية يذكر بعض القراء - من خارج الشباب - نشيد «نحن الشباب لنا الغد ومجده المخلد»، الذي دأبت الإذاعات العربية على بثه من حين لآخر قبل عقود، خصوصا في برامج توعية يتيمة كانت موجهة للشباب مثل الكشافة.

كبر الشباب العربي المقصود وأصبح بعضهم أجدادا ولم يشعروا من خلال تجربتهم الحياتية بأنهم امتلكوا غدهم المتغنى به، ولا أخذوا فرصا جادة، ولا استمع نظام حكم لآرائهم وتعاطف مع تطلعاتهم. وربما احتاج الأمر لاحتراق جسد شاب تونسي أواخر عام 2010 لتشتعل شرارة ما عرف بعدها بـ«الربيع العربي»، وتدرك المجتمعات العربية حجم تجاهلها لشريحة تشكل ثلثي عدد سكانها، أعيقوا عن العطاء والإبداع والمشاركة في القرار.

على أي حال كان ذلك في الماضي، وجاء دور الحاضر في التحديث واستحقاقاته المؤجلة.

* كاتبة وصحافية سورية مقيمة في بريطانيا