.. وهل سيكون تحدي الحداثة ودولة المؤسسات أبرز هذه التحديات؟

لا- دعاوى «الاستقرار» تعرقل أحلام الشباب وتحبطها

TT

سأجيب عن السؤال من واقع تجربتي ومنظوري في مصر..

اليوم توجد ثلاثة تحديات تقف أمام أحلام الشباب المصري في بناء دولة مؤسسات عصرية. التحدي الأول هو الرغبة في «الاستقرار»، والثاني «مشكلة الخطاب الديني»، والثالث يتعلق بـ«إرث مؤسسات عتيقة تقف ضد التغيير»، على رأسها مؤسسات مهمة كالجيش. ولا شك أن الاستقرار مع الرغبة في التقدم معادلة يصعب الوصول إليها في بلد مثل مصر حتى الآن. وبالتالي حين يظهر الشباب على السطح وتبدأ موجة من المطالبة بالتغيير وبناء المؤسسات على أسس حديثة وعصرية، ينظر إليهم باعتبار أنهم يهددون الاستقرار.

من هذه النقطة أرى، في تصوري، أن ذهنية أغلب المصريين، التي تميل طوال الوقت إلى «الاستقرار»، تعتبر من أهم العراقيل التي تواجه أحلام الشباب في اللحاق بركب العالم المتقدم. هذه المشكلة واجهت طلائع الشباب المتحمس للتغيير في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق حسني مبارك. كانت ذهنية كثير من الناس تبحث عن الاستقرار وترفض الخروج إلى الشوارع للإطاحة بالنظام السابق.

وفي نهاية المطاف حدث ما حدث، وتمكنت دعوة الشباب للتغيير باستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة، وأقصد بها هنا التواصل الاجتماعي الواسع عبر الإنترنت، من قلب نظرية «الركون إلى الاستقرار». لكن ماذا جرى بعد ثورة يناير (كانون الثاني) 2011؟! لقد عادت نفس الذهنية القديمة لتقف أمام طموحات الشباب، رغم تنحي مبارك. رحل النظام السابق، وأصبحت أبرز العراقيل من جديد بحث الناس عن الاستقرار، حتى لو كان استقرارا مزيفا ومؤقتا. هذه المشكلة واجهتنا، كشباب، في أيام المرحلة الانتقالية التي أدارها المجلس العسكري، ثم في المرحلة الراهنة التي تولت فيها جماعة الإخوان الحكم عن طريق الرئيس محمد مرسي، رغم أن الناس في نهاية الأمر يكتشفون، في كل مرة، أن موضوع «الحاجة للاستقرار» الذي يرفعه بعض السياسيين والحكام أيضا، موضوع غير حقيقي. مواجهتنا لحكم المجلس العسكري لم تكن هي نهاية المواجهات، وكذلك مواجهتنا مع الإخوان.

حلم المصريين في الاستقرار تسبب في انتكاسات لأحلام الشباب. فحين ارتفع صوت الدعاية من جانب الإخوان والتيار الإسلامي، للموافقة على الاستفتاء على تعديلات الدستور المعيب من وجهة نظر فقهاء القانون، سمع الناس كلام التيار الديني بحثا عن الاستقرار، وصوّتوا بالموافقة، لكن عادت القضية إلى المربع صفر، واكتشفت غالبية المصريين عكس ما كانوا يأملون، فعادوا يطالبون بتغيير الأوضاع برمتها ووقعوا على نحو 15 مليون استمارة من استمارات «تمرد» ضد الإخوان، والتي تطالب بانتخابات رئاسية مبكرة.

التحدي الثاني يتمثل في الخطاب الديني الذي يستجيب له كثير من المصريين، إلا أنهم غير قادرين حتى الآن على ما يبدو على الفصل بين قوى سياسية تقدم خطابا سياسيا، وقوى دينية تقدم خطابا دينيا وتمارس السياسية تحت ستار هذا الخطاب الديني. نحن لسنا ضد الدين، لكن مسألة عدم الفصل بين ما هو سياسي وما هو ديني أمر خطير ومهم، ويعرقل طموح الشباب في التحديث والتغيير إلى المستقبل الذي قامت من أجله ثورة يناير. ومن العراقيل الأخرى أن تجد الدول التي تدعو إلى الديمقراطية والحرية تعضد من يعمل ضدهما، وهذا يؤدي بلا شك لانتكاسة في طموحات الشباب لدخول العالم الحديث. باختصار أصبحت توجد لدينا أزمة اسمها الولايات المتحدة الأميركية التي كانت، من أجل مصالحها، تدعم طوال الوقت سلطة مبارك، والآن تدعم سلطة جماعة الإخوان، وكان آخر ذلك تصريحات السفيرة الأميركية في القاهرة حين قالت إن مرسي ليس مبارك، باعتبار أن مرسي رئيس منتخب. ولا أعرف على أي أساس تتدخل سفيرة دولة أجنبية في صراع سياسي يخص دولة أخرى. في ميدان التحرير اليوم تجد الشباب يقولون إن الدولة «راعية الديمقراطية» ليست مع الحرية ولا مع الديمقراطية الحقيقية.

والتحدي الثالث يتعلق بـ«ذهنية بعض مؤسسات الدولة» التي كان لا بد أن تتغير في ظل هذه الموجة من الثورة، وأن تدرك أن ما اندلع في 25 يناير حتى الآن هو ثورة مدنية غرضها الرئيس هو بناء دولة حديثة وعصرية. ولتحقيق هذا، لا بد أن تغير المؤسسات من نفسها.. مثلا لا بد أن يقدم الجيش تنازلات كان يحوزها منذ عام 1952، على رأسها أن يكون مدركا أن الدولة العصرية تحتم خضوع المؤسسة العسكرية للسلطات المدنية التي ينتخبها الشعب.

بقاء الحال على ما كان عليه قبل ثورة يناير دفع كثيرين من المصريين لأن يشعروا بالأسف على رحيل مبارك، ويلعنوا الثورة التي قام بها الشباب أساسا من أجل الشعب. والسبب في هذه الانتكاسة ممارسات المرحلة الانتقالية التي أدارها المجلس العسكري السابق، وممارسات جماعة الإخوان في الوقت الحالي. وهذا جعل الشباب يعودون اليوم لتصحيح مسار الثورة وإنتاج آليات جديدة في النضال السلمي في مواجهة الاستبداد والتخلف المقترن بدعاوى الرغبة في الاستقرار.

* من قيادات «شباب ثورة يناير» في مصر وعضو مجلس أمناء التيار الشعبي ومقدم برامج على تلفزيون «أون تي في»