هل يشكل عزل الرئيس محمد مرسي انقلابا؟

نعم- ... إنه ليس مجرد انقلاب بل هو قمة جبل الجليد

TT

ليس مجرد انقلاب بل إنه قمة جبل الجليد الذي أظهرته المؤامرة على شعب مصر وهويتها المستمرة منذ بداية «حكم العسكر» في مصر، وهو الذي كان الوصفة لحكم شعوبنا خلال الخمسينات من القرن الماضي لسرقة ثورات التحرر، التي بدأت تسري بين الشعوب وبذلت في سبيلها الغالي والنفيس.

لقد جاءت وصفة الانقلابات العسكرية لتفرض زعامات زائفة هيئت لها أحداث لتسويقها، وتأكيد هذه الزعامات التي عملت تحت غطاء هذه الأحداث لكبت حريات الناس ووضع الدين في زاوية ضيقة لا تتجاوز شكلياته. ومن ثم، لا يتم استدعاؤه إلى في المراسم الرسمية مع إشاعة مفاهيم معادية له تحت ستار العلمانية الزائفة لمحاربة العقيدة الصحيحة، وتخريب الاقتصاد، وإدخال البلاد في حروب عبثية مع جيرانها ورهن الإرادة للخارج وإفقاد الناس هوية الانتماء لأوطانهم.

واليوم يحاول الجنرال عبد الفتاح السيسي إعادة الأمور إلى ما كانت عليه. وهو ككل سابقيه ليس الفاعل الرئيس، ولعله وداعميه من خلفه لا يدرون أن الدنيا قد تغيّرت، وأن صناديق المعلومات المغلقة التي كانت تخفي أسرار الانقلابيين لم يعد من الصعب فتحها وقراءة ما فيها.

ولقدر الله اللطيف، سبحانه، أن الإعلان عن الانقلاب الذي حاولوا إظهاره أنه إبعاد للرئيس محمد مرسي وجماعته فقط، ثبت فيه الخبل وقصر النظر.. بعد أن خرج إلى شوارع مصر كلها جموع تجاوزوا حتى هذا اليوم (8/7/2013م) ما يزيد على الأربعين مليونا في مواجهة رصاصات الانقلابيين. وهو حدث يؤكد زيف القول بأن قيادة الجيش قد تحركت بناءً على رغبة شعبه.

بل وإن هذا الانقلاب الفاشي، وبقدر الله العدل الحكيم، قد أخطأ الحسابات لأن قائده ليس مثل العسكر السابقين الذين قاموا بالانقلابات السابقة. فقد كانت الأنظمة التي قاموا بالانقلاب عليها تسمح لهم بالعمل السياسي فاكتسبوا خبرة لم يكتسبها هو. فقد تربى ووصل إلى ما وصل إليه من ترتيب نظامي في مدرسة تحظر عليه العمل السياسي والاقتراب منه أو حتى التفكير في أن يفتح عقله على ما يجري على أرض بلده. فلا رأي إلا ما تقوله القيادة أو ما يأتيه بشكل رسمي، ويعلم يقينا أن أقرانه والكثيرين من زملاء دفعته في التخرج قد أبعدهم نظام الحكم الذي عاش في، لأنهم أبوا أن يكونوا مثله، وأدرك النظام أنهم ممن يعملون عقولهم ويهتمون بشأن بلدهم حتى ولو لم يكن لهم ولاء لغير هذا البلد.

وبسبب عدم استخدام العقل، والرضوخ لمن يستطيع أن يملي عليه الرأي، حتى إذا ما جاءت لحظة تنفيذ انقلابه اصطحب معه رموزا لا تقبلها الغالبية العظمى من شعب مصر لينكث أمامهم وأمام كل الدنيا بقسمه الذي أداه أمام رئيسه المدني الشرعي المنتخب ويخون الدستور الذي أقسم بالحفاظ عليه. وزادها أن البداية من أولها كانت كفرا بالديمقراطية التي ينادي بها، وهو من شكل بهم ديكور بيانه الانقلابي، فكانت أول قراراته هي إيقاف كل القنوات الفضائية الإسلامية، وترك غيرها على ما في بعضها من حرب معلنة على الإسلام وما كانت تتطاول به على شخص رئيس الجمهورية.. ليكرس من أول لحظة ملمح الانقلاب العسكري الديمقراطي بلغة عسكر الزمن الماضي، ثم تتالت البلايا:

1- أتى برئيس المحكمة الدستورية العليا ليقسم على دستور غير موجود في انتظار دستور مؤقت سيقوم هو بوضعه ليتناسب مع القسم الذي أداه، وبالدين والعقل والقانون وبأي مقاييس من مقاييس أصحاب العقول في الدنيا، فهل يمكن أن يقوم مسؤول بالقسم باحترام شيء غير موجود؟!! 2- ينادي في بيان الانقلاب بتطبيق خطة طريق للعمل في مصر، وهي نفس خارطة الطريق التي أعلنها الرئيس محمد مرسي قبل هذا الانقلاب الفاشي بيومين.. وألا يكفي أن يكون هذا انقلابا وليس مجرد الاستجابة لمطالب شعب.

3- بدأ بتلفيق الاتهامات الزائفة لرموز الإخوان المسلمين المعروفين لدى عامة الشعب المصري، وعامة شعوبنا العربية والإسلامية، بشفافية عملهم وتضحياتهم واعتبارهم استخدام العنف جريمة.. ثم يقوم باتهامهم على نفس أيدي الأجهزة التي عملت على إبعاد أدلة إدانة مبارك وأنصاره من قتل الثوار ليحصل الجميع على البراءة. وهل يصل الغباء بأحد حتى إذا كان خصما لجماعة الإخوان المسلمين إلا أن يكون انقلابيا، وانقلابيا فاشلا، باتهام الدكتور محمد سعد الكتاتني، أول رئيس برلماني منتخب انتخابا حرا صحيحا في تاريخ مصر كلها.. وبعد اثنتي عشرة ساعة لا غير من رفضه مشاركة الجنرال الفاشي في إخراج انقلابه؟!! وتأتي رابعة الأثافي عندما تم تنصيب قاض فَقَدَ نزاهته ليرأس المحكمة الدستورية، ثم رئاسة الجمهورية، وبطلان كلا الأمرين الأول والثاني لسبب قانوني ودستوري.. هو أنه لم يقسم قسم التولي الأول أمام رئيس الجمهورية وإنما أداه أمام زملائه أعضاء المحكمة الدستورية، ويصدر وهو الموظف المدني المعين قرارا بحل مجلس الشورى المنتخب من الشعب.

وإذا لم تكن كل هذه البلايا انقلابا.. فما معنى الانقلاب إذن في أي قاموس سياسي أو دستوري أو قانوني من قوانين الدنيا!!!

* زعيم التنظيم العالمي للإخوان في الغرب