هل أخفق النموذج التركي في مصر والمنطقة العربية؟

نعم ... وأخفق أيضا في تركيا لأن فهم الإسلاميين للديمقراطية محصور بصندوق الاقتراع

TT

لقد وصلت كل من تركيا ومصر إلى نهاية طريق التوقّعات المُفرطة بالتفاؤل.

إن ما يوصَف بـ«النموذج التركي» لتطبيق الديمقراطية في العالم الإسلامي كان أشبه ما يكون بمنح الرئيس الأميركي باراك أوباما جائزة نوبل للسلام، فكلاهما استند إلى مزيج غريب من التوقعات العالية والتمني. فلقد كان هناك تفاؤل بأن انتخاب أوباما سيكون خطوة كافية لتطبيق لإقرار السلام في الشرق الأوسط وبالتالي أعطي جائزة نوبل مسبقا، وفي حالة مشابهة ساد اعتقاد بأن تركيا تشكل «نموذجاّ» للديمقراطية في الدول الإسلامية، أيضا، مسبقا، مع تبوؤ حزب العدالة والتنمية المصري السلطة عام 2013 في حكومة منتخبة ديمقراطيا عبر انتخابات حرة.

ولكن، مع الأسف، أخفق الافتراضان، ومعهما التوقّعات والاستحقاقات، إخفاقا ذريعا.

الإسلاميون السابقون في تركيا أعادوا ابتكار أنفسهم بصورة «محافظين ديمقراطيين» تحت مسمّى حزب العدالة والتنمية عام 2002، وفازوا في ثلاثة انتخابات متتالية أفلحت في تغيير الواقع السياسي التركي بعد تصفية هيمنة العلمانيين العسكرية والقضائية في غضون عقد واحد من الزمن.

وفي الواقع، كان هذا تطوّرا يبعث على الأمل بمستقبل ديمقراطي لتركيا، بما أن ذريعة «حماية العلمانية» كانت من أخطر مرتكزات الممارسات السياسية التسلّطية. بيد أن «المحافظين الديمقراطيين» المزعومين انكشفوا على حقيقتهم وتبيّن أنهم «محافظون متسلطون» في أعقاب إكمالهم عملية احتكار السلطة السياسية. ومع أن ملامح إخفاق ما كان يوصف بـ«النموذج التركي» بدأت تظهر على المسرح السياسي والحياة الاجتماعية في تركيا منذ وقت طويل، فإن هذا الإخفاق صار قضية، وغدا واضحا على المستوى الدولي فقط بعد احتجاجات حديقة غيزي في ميدان تقسيم بإسطنبول.

احتجاجات حديقة غيزي شكّلت أقصى تعبير عن السخط المعتمل في نفوس الناس إزاء تصاعد الممارسة السياسية التسلطية وفقدان الحريات في البلاد. كذلك كانت التعبير الأوضح عما تعنيه «أزمة ممارسة الحكم» تحت حزب العدالة والتنمية. وهنا في شأن تطوّرات مصر، أقول إنني أعتقد، على الرغم من جميع الاختلافات، كانت هذه الحال أيضا مع حكم الإخوان المسلمين في مصر.

أنا شخص مناوئ بطبيعتي لتدخل العسكر في السياسة المدنية، ولا أستثني من ذلك الوضع في مصر. ولكن مع هذا، أنا أؤمن أنه ليس بمقدور الدول الإسلامية في نهاية المطاف تجنب مواجهة «الأزمة الديمقراطية»، أو أزمة التعايش مع الديمقراطية، وبالأخص في ضوء ما حدث في تركيا ومصر.

لا يوجد مبرّرات لحرمان القوى الإسلامية المُنتخَبة - أكانت تصف نفسها بأنها ديمقراطية أو ما بعد الإسلامية أو إسلامية عصرية - من حق «الشرعية التمثيلية الاجتماعية». غير أن الديمقراطية لا تُختصَر بصناديق الاقتراع وحدها. وهذه كانت المشكلة مع الحالة التركية، ولذا أرى أن تركيا كانت النموذج الخطأ في هذا الشأن. ولئن كان الإخوان المسلمون في مصر اعتبروا ذلك النموذج ناجحا (ويبدو لي أنهم فعلوا)، فلقد كان لهم قدوَة مضلِّلة.

هذا لا يعني مطلقا أن الانقلاب العسكري خيار مبرّر. كل ما في الأمر أنني أودّ القول إن فهم الإسلاميين للديمقراطية يبدو محدّدا حصرا بصندوق الاقتراع، واكتراثهم بالشرعية السياسية لا تتجاوز حدود الأكثرية العددية البسيطة. ولذلك كانت الحصيلة إغفالهم التنبه للاختلافات والاعتراض، وقلة تقديرهم للحريات، وممارستهم إقصاء غير المحازبين والمناصرين. في هذا الجزء الذي نعيش فيه من العالم، يصار إلى النظر لتوافر أعمدة الديمقراطية هذه، أو انعدامها، على أنها مجرد نزوات أو ترّهات تفصيلية غربية لا علاقة لها إطلاقا بعملية «الحكم». وحقا برهن الإسلاميون أنهم ليسوا أفضل ممن سبقهم على هذا الصعيد، ولذا ظهر عند ممارستهم السلطة أنهم ليسوا أفضل ممن حلوا محلهم، بل ربما أسوأ منهم.

في اعتقادي هذا هو السبب المباشر لـ«أزمة ممارسة الحكم» التي عاشتها الدولتان، تركيا ومصر، بطرق مختلفة. كذلك فإنني أعتقد أنه من الأهمية بمكان فهم الأسباب المفضية إلى إخفاق التجربة التركية، التي تصوّر البعض أنها نموذج ناجح لجمع الإسلام والديمقراطية، والسقوط الدراماتيكي لحكم الإخوان المسلمين في مصر الذي جسّد في أجلى صورة تصوّر ديمقراطية في ظل حكم الإسلاميين المعتدلين.

إن هذا مفتاح لأي حوار حول الآفاق المستقبلية للديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط.

* صحافية وأكاديمية تركية، وكاتبة عمود في صحيفة «حُرييت»