وهل خسر رجب طيب أردوغان رهانه إقليميا؟

لا ... لأنه زعيم منتخب يقف على أرض صلبة.. وجعل تركيا قوة عالمية

TT

لم يخسر رجب طيب أردوغان رهانه الإقليمي بعد الانقلاب الذي أدى لعزل صديقه الدكتور محمد مرسي لأنه في النهاية زعيم منتخب يقف على أرض صلبة باعتباره وحزبه وضعا تركيا خلال عشر سنوات ضمن مجموعة العشرين الأقوى اقتصاديا في العالم. ولا يزال الاقتصاد التركي يواصل صنع معجزة حقيقية وسط محيط يعاني المشاكل والاضطرابات الاقتصادية والسياسية كاليونان وقبرص، فضلا عن حالة الركود الاقتصادي التي تعاني منها أوروبا بشكل عام، والاضطرابات السياسية في دول الجوار الإقليمي في كل من سوريا والعراق وإيران.

الانقلاب العسكري الذي أطاح بالشرعية وأدى لعزل أول رئيس مدني منتخب لمصر استطاع خلال شهور قليلة من حكمه تعميق العلاقات التاريخية الطويلة لمصر مع تركيا، إذ بادر أردوغان بدعم الرئيس المعزول الدكتور مرسي، وبدت ملامح ظهور محور إقليمي مهم في المنطقة يمكن أن يتبنى مواقف شبه متطابقة في العديد من القضايا الإقليمية والدولية. ولم يؤد عزل مرسي للقضاء على أول تجربة ديمقراطية وليدة في مصر فقط، بل أدى لصدمة عميقة لأردوغان ولتركيا بشكل عام، تذكرهما بتاريخ طويل من الانقلابات العسكرية وتدخّل الجيش التركي في السياسة، وهو أمر لم تتعاف منه تركيا بشكل كامل حتى الآن.

فمنذ انقلاب مايو (أيار) 1960 الذي أدى إلى الحكم بإعدام رئيس الوزراء عدنان مندريس والحكم بالمؤبد على رئيس الجمهورية جلال بايار، حصلت محاولة الانقلاب الفاشلة للكولونيل طلعت آيدمير عام 1963، وانتهاء بانقلاب كنعان إفرين عام 1980 الذي اتخذ قرارا بتعليق نشاط الأحزاب ثم حلها، وأصدر دستورا جديدا عام 1982، وتضمن الدستور نصا صريحا في المادة 13 على حظر الأحزاب الدينية والفاشية والاشتراكية، وبذا تم حظر الأحزاب المناوئة لحزب الشعب وللعلمانية الأتاتوركية. ولقد جاء في المادة 96 من قانون الأحزاب ما يحظر استخدام مصطلحات «الشيوعية والفوضوية والاشتراكية والفاشية والقومية، والدين والعرق، واللغة والطائفة والمذهب» أو أي كلمات تعطي معاني مشابهة، حتى يتمكنون من استخدام ذلك في حل الأحزاب المعارضة.

وفي ديسمبر (كانون الأول) 1995 شكّل حزب الرّفاه، بقيادة نجم الدين أربكان، وحليفه حزب الطريق القويم، الحكومة ليصبح الزعيم الإسلامي أربكان أول رئيس إسلامي للوزراء، الأمر الذي أغضب العلمانيين ودعاهم إلى تحريك الأذرع العسكرية ضد الحكومة المنتخبة.

في عام 1998م حُظر حزب الرفاه، وأحيل أربكان إلى القضاء بتهم انتهاك مواثيق علمانية الدولة، ومنع من مزاولة النشاط السياسي لخمس سنوات. وباتت بعدها الحياة الديمقراطية ملغومة واتخذت هذه النصوص الفضفاضة كذريعة لحل الأحزاب، حتى جاءت انتخابات 2003 بفوز حزب العدالة والتنمية الوليد الذي أسسه رجب طيب أردوغان، رئيس بلدية إسطنبول الكبرى في عهد حكومة الرفاه، وعبد الله غل وعدد من الإسلاميين الذين انفصلوا عن حزب السعادة الذي كان امتدادا لحزب الرفاه والفضيلة.

ولقد حدثت بعدها محاولات عدة لم تنجح بالانقلاب على أردوغان أو محاولات حل حزبه باستخدام المحكمة الدستورية العليا.

كل هذا التاريخ يجعل الحكومة التركية شديدة الحساسية والرفض للانقلابات العسكرية، وتنطلق من ذلك من موقف تاريخي وأخلاقي، وموقف سياسي تعمل على ترسيخه يتعلق بمنع الجيش من التدخل في الحياة السياسية. وموقف قائم على معطيات مؤداها أن كل الانقلابات على الشرعية التي حدثت في العالم منذ انقلاب فرانكو في إسبانيا عام 1936 انتهت نتيجتها إلى واحد من أربعة احتمالات:

1- إقامة دكتاتورية عسكرية لا يتحملها الوضع الدولي في حالة مصر الآن.

2- إقامة دكتاتورية عسكرية بغطاء مدني، وهو ما يعمل الانقلاب الحالي على تحقيقه.

3- الوصول إلى حالة من الفوضى والاضطراب السياسي.

4- زج المجتمع في حرب أهلية.

هذه الاحتمالات مخيفة وغير مرغوب فيها لأنها قد تضيف بلدا جديدا في الإقليم والجوار إلى قائمة «الدول الفاشلة» التي تعاني من الاضطراب.

ومن المتوقع أن تلعب تركيا دورا دوليا ضاغطا يعرقل الاعتراف بالانقلاب العسكري في مصر الذي يرتكب المذابح الآن في حق المعتصمين السلميين المدافعين عن الشرعية، وسيشكّل هذا الدور مع موقف الاتحاد الأفريقي وغيره من مواقف الدول التي بدأت تدرك خطورة الانقلاب على استقرار مصر كدولة هامة في الإقليم والعالم لتكريس الضغوط على الانقلابيين لسرعة العودة للمسار الديمقراطي والإفراج عن المعتقلين السياسيين وعلى رأسهم الرئيس الدكتور محمد مرسي، ووقف الإجراءات القمعية الاستثنائية وحملات التحريض والدعوة للكراهية التي تتبناها وسائل الإعلام الموالية للانقلابيين في مصر ضد أنصار الشرعية الدستورية والديمقراطية.

* عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر، المستشار السياسي لحزب البناء والتنمية.