هل يكون تنظيم يقوم على السمع والطاعة عرضة للانقسامات أو صراع الأجنحة؟»

لا - ... في الحالة المصرية.. لا يزال الوقت مبكرا للحكم على احتمالات الانشقاق

TT

في الحالة المصرية، لا يزال مبكرا الحكم على مآل جماعة الإخوان المسلمين واحتمال تعرضها للانشقاق أو الانقسام، خاصة أننا نتحدث عن الجماعة الأم لـ«الإخوان»، وليس عن فرع من فروعها، مما يعني أن أي تحول في إخوان مصر، سيترك آثاره وتداعياته على مجمل الجسم «الإخواني» الممتد في العالم العربي والإسلامي، وفي الغربين الأميركي والأوروبي.

فلقد خرج من صفوف الجماعة رموز كبار، مثل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، في مرحلة إعلان الجماعة عدم ترشحها للانتخابات الرئاسية، بعد الثورة التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك، محاولا الإفادة من إعلان الجماعة عزوفها عن المنافسة في انتخابات الرئاسة، وهو الأمر الذي لم يحصل لاحقا، ومؤسس حزب الوسط أبو العلا ماضي في مرحلة سابقة من التحولات التي شهدتها مصر، وشهدتها جماعة الإخوان.. عندما كان النقاش قويا حول ضرورة إنشاء حزب سياسي يعبر عن «الإخوان». ولكن مع ذلك لم يتشكل بخروج شخصيات كبيرة تيار كافٍ لإحداث تغيير واسع النطاق يؤدي إلى انهيار منظومة القيادة في «الإخوان».

اليوم، وفي حال فشل قيادة الجماعة في تخطي المواجهة التي تخوضها ضد ما تراه انقلابا ترفض تخطيه، وفي حال تمكن الجيش من فرض أمر واقع سياسي يجعل مرحلة ما بعد الرئيس محمد مرسي مجرد ماض، فإن «الإخوان» في مصر سيكونون أمام امتحان وجودي، لجهة قدرة القيادة على ضبط تداعيات هذا الفشل. ولعل هذا الامتحان سيمهد لاحتمال وقوع «السيناريو التركي» الذي أسقط المؤسس نجم الدين أربكان، وأتى بتسوية تاريخية سمحت بوصول رجب طيب أردوغان، مستغلا نجاحه التنموي الواسع، إلى الحكم، على قاعدة الاعتراف بوجود العسكر.. مقابل فتح باب الحريات السياسية.

أما إذا تم التوصل إلى صيغة تحفظ لقيادة «الإخوان» ماء الوجه، وتجعلها جزءا من التسوية المقبلة، فإنه يصبح من المستبعد حصول انشقاقات ذات قيمة استراتيجية تؤثر في مستقبل الجماعة في مصر. وهذا الأمر سيجعل من التغيير في «الإخوان» أمرا صعبا، لأنه سيثبت الحرس الحالي في القيادة، ويجعله ممسكا بزمام القرار إلى فترة زمنية طويلة.

وهنا لا بد من التوضيح أن مكتب الإرشاد يعتبر الهيئة القيادية العليا في جماعة الإخوان المسلمين، وبالتالي، فإن الخروج على قراراته يعتبر تحديا لقرارات المرشد العام والقيادة الإخوانية. وبالتالي، يصبح (من حيث المبدأ) الخروج أو رفض تنفيذ هذه القرارات، مرحلة متقدمة من فرز الموقف داخل الجماعة، ونقطة تحول في الانتماء التنظيمي للجماعة.

لكن من الناحية التنظيمية، يخضع الخارجون على مقررات مكتب الإرشاد إلى سلسلة إجراءات، تشبه التحقيق أو التحقق من ملابسات رفض القرارات، وهذا يرتبط أيضا بمستوى الاعتراض، وهل كان داخليا واقتصر على الدائرة التنظيمية، أم اتخذ صفة العلنية، ووصل إلى دائرة الإعلام، ودارت حوله النقاشات في أوساط الرأي العام، وتحول إلى نقطة إحراج تحول دون لفلفتها، وتجعل القيادة مضطرة لحفظ هيبتها، فتذهب الأمور، والحالة هذه إلى تصعيد، ينتهي غالبا بالخروج التنظيمي لرافضي القرارات القيادية. أما في حالة الرفض الداخلي، ففي كثير من الأحيان تنتهي الأمور بتراجع الرافضين، خاصة إذا كان اعتراضهم فرديا، وقد بأخذ شكل اعتذار مباشر، أو توضيح لموقف يعتبر تراجعا غير معلن.

* كاتب وباحث لبناني متخصص في الشؤون الإسلامية