هل يمكن وصف تبدل الموقفين الفرنسي والبريطاني من تسليح ثوار سوريا بالخذلان؟

نعم... إنه خذلان.. و«الشماعة» ذريعة وجود متطرفين يقاتلون مع الثورة

TT

منذ أن حكم حزب البعث سوريا عقب الانقلاب العسكري في الثامن من مارس (آذار) 1963 بدأت ممارسات الحزب تعمل على تغيير البنية الاجتماعية لنسيج المجتمع السوري، فمورس الضغط على قيادات المجتمع، مما دفع الكثير منهم لمغادرة البلد، بينما تمت تصفية آخرين والزج بالكثير منهم في السجون والمعتقلات. وعلى مر السنين عمد نظام البعث إلى مسح الذاكرة الوطنية من الشخصيات المناضلة التي قدمت على مدى عقود من الزمن لموطنها سوريا كل غال ورخيص.

تحت ستار حزب البعث قاد سوريا منذ عام 1967 حافظ الأسد بالتعاون مع بعض أفراد أسرته وزملائه في ما سمي «هيئة الضباط الأحرار» التي أنشئت في القاهرة أيام الوحدة. ولقد وضع حافظ الأسد مخططه في تصفية كل من يمكن أن يعترض طريقه أو يمكن أن يشكل عليه خطرا ما، واستفرد هو وأسرته المصغرة بحكم البلد ومارس أبشع أنواع القمع والقهر من جهة، كما مارس لعبة الجزرة من أجل إقناع ضعاف النفوس من المواطنين الساعين للثروة بالالتحاق به والسير تحت مظلته، بينما وجد في الطائفة العلوية عمقه الاستراتيجي والساحة التي يمكن أن يلعب بها وينفذ أهدافه الشريرة.

أقام حافظ الأسد حكمه على قاعدتين أساسيتين: أولاهما الفساد وثانيتهما الأمن. في جانب الفساد دفع كل المسؤولين في الدولة لينغمسوا في دوامة الفساد، وبدأ عهد العمولات والرشى التي بدأت من قمة هرم السلطة وانتهاء بقواعدها حتى شملت صغار الموظفين بل وحجاب المسؤولين، كما دخل الفساد في القضاء والتعليم والجيش. ثم أطلق يد أجهزة الأمن بأن تفعل ما تشاء وترتكب ما تريد من انتهاكات شريطة الحفاظ على كرسي الحكم. وهكذا تشابكت مصالح الأمن مع مصالح الفاسدين، وأضحى الكل شركاء في كعكة الحكم، كما نشر أعدادا كبيرة من الطائفة العلوية بصفة موظفين في الأجهزة الأمنية وقيادات الجيش، وحتى موظفين صغار في دوائر الدولة، بل جرى الاستيلاء على كامل جهاز التمريض في المستشفيات.

جميع ما تقدم من عرض أدى لاحتقان الشارع السوري، وقامت حركات احتجاجات هنا وهناك كانت أبرزها حركة النقابات العمالية في عام 1978 وحتى عام 1980 الذي تم فيه حل النقابات وإيداع النقابيين في السجن. ثم كانت أحداث حماه التي ذهب ضحيتها 48 ألف شهيد، بينما قتل في سجني تدمر والمزة أكثر من خمسة عشر ألفا. وارتكبت المجازر في حلب وجسر الشغور وغيرهما من المدن بحيث بلغ عدد المفقودين سبعين ألفا، ولا يزال هؤلاء أحياء في قيود الأحوال المدنية، بينما صودرت الآلاف من دور السكن بداعي أنها تعود لـ«الإخوان المسلمين»، وهُجّر ربع مليون سوري لا يزالون خارج سوريا لا يستطيعون العودة. وقعت هذه الأحداث جميعها بين عامي 1980 و1990 ولم تتحرك الضمائر.

وخلف بشار الأسد أباه في دولة جمهورية خلافا للدستور، وبارك الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية خطوة التوريث هذه. وتعامل الجميع مع القائد الشاب في سوريا بمنتهى الأريحية والسخاء، وتم احتضانه ودعمه عربيا ودوليا، بينما في الجانب الآخر كان الشعب السوري يئن تحت ضربات الفقر والبطالة، إذ استولت السلطة الحاكمة على 85 في المائة من الدخل القومي، وتحول 30 في المائة من القوى العاملة إلى صف العاطلين عن العمل، وأصبح 60 في المائة من الشعب السوري تحت خط الفقر. وسيطرت السلطة على جميع مرافق الحياة الاجتماعية والسياسية. وجرى الزج بآلاف المواطنين في السجون بسبب آرائهم، وكنت واحدا من هؤلاء. وتزايد احتقان الشارع الذي كان محتقنا في السابق، وفي مارس 2011 تحرك الشارع السوري، متواضعا في البداية، بمطالب تتعلق بالحرية والكرامة وإصلاحات. وأصمت السلطة آذانها عن سماع صوت الشعب، وخلال الأشهر الستة الأولى من مظاهرات الشارع سقط خمسة آلاف شهيد، وانتهكت الحريات العامة، وعاث عناصر الأمن فسادا في دور المواطنين من تخريبها وتخريب موادهم التموينية، وإطلاق الرصاص على خزانات المياه لإفراغها. وبدأت السلطة حربا على الشعب، بينما لم يتحرك العالم لوقف حمام الدم الذي يجري في سوريا. ثم نشر بشار الأسد ثلاث آلاف دبابة في مواجهة الثورة، واستعمل ولا يزال كل آلات القتل، من طائرات وبوارج حربية وصواريخ وأسلحة كيماوية، وتجاوز عدد الشهداء من المدنيين مائة وخمسة وعشرين ألفا، وهرب مليونا سوري خارج سوريا لاجئين، بينما تشرد في سوريا ثمانية ملايين.

ومن دون الدخول في التفاصيل الزائدة، حتى الآن الثورة السورية يتيمة، لا أحد في العالم يريد أن يمد لها يد العون. والجميع يناقش تسليح الثوار من عدمه، والدعم الإغاثي من عدمه. وبعد أن كان موقف فرنسا وبريطانيا الأعلى صوتا بين الدول الأوروبية، ويتجه نحو التسليح، تغير هذا الموقف.

في رأيي أن كل ما يجري في أروقة المجتمع الدولي بدءا من أميركا حتى أوروبا يندرج تحت بند واحد: هو أن يُترَك السوريون يتقاتلون مع إيران - التي حشدت من «الحرس الثوري» وحزب الله والحوثيين وشيعة عراقيين نحوا من ستين ألف مقاتل وتدير معركة بنكهة طائفية - ويستنزفون بعضهم بعضا، بينما يضع الغرب الحجج للإحجام عن تسليح الثوار، وعلى رأسها حجة وجود متطرفين من أمثال «دولة العراق والشام الإسلامية» و«جبهة النصرة» والأسلحة الكيماوية.

هذه هي «الشماعة» التي يلجأ إليها الغرب للإحجام عن التسليح من دون النظر إلى شلال الدم الذي يتدفق يوميا من أبنائنا السوريين، وهذا بعدما كان الجميع يتكلم عن الدعم بكل أنواعه، خاصة المحصلة التي سمعناها من أصدقاء الشعب السوري في مؤتمرهم الذي انعقد في مراكش.

وحتى ما يتعلق بالدعم الإنساني فهو دون المطلوب بكثير، ولذا فكل ما تم حتى الآن إنما هو خذلان للشعب، بل وتآمر عليه، وهذا ما أدركه الشعب السوري الذي أضحى يردد «ما لنا غيرك يا الله».

* رئيس اللجنة القانونية في ائتلاف قوى الثورة والمعارضة بسوريا