وهل من الممكن النظر إلى الموقفين الفرنسي والبريطاني بمعزل عن السياسة الأميركية المسايرة للروس والصينيين؟

لا ... لا تستطيع أي دولة التدخل في سوريا من دون واشنطن

TT

إن المسح السريع للمواقف والتصريحات التي صدرت من الدول الأوروبية، وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا، يوضح أنها أكثر شدة وأسرع تجاوبا مع ما يحدث في سوريا مقارنة مع الموقف الأميركي الذي يأتي تابعا، وفي أحسن الأحيان مرافقا للمواقف الأوروبية.

ولكن عندما يأتي الأمر لاتخاذ قرار بالتدخل العسكري أو دعم المعارضة السورية و«الجيش الحر» بالسلاح ومقوّمات الانتصار على نظام بشار الأسد فإن الأمر يصبح معكوسا. أي تصبح كل الدول الأوروبية وغيرها عاجزة عن تصدر المشهد وتكون حريصة على أن تظل تحت المظلة الأميركية التي تتولى قيادة رفض التدخل والإحجام عن مد «الجيش الحر» بالسلاح. وبالتالي، ما لم تتول الولايات المتحدة الأميركية القيادة وتتخذ قرار التدخل وتقديم الدعم الحقيقي ستظل الدول الأخرى مترددة وغير مستعدة لتبني القضية السورية.

ونسوق هنا عدة أسباب أو ذرائع تستخدمها الدول الأوروبية لتبرر عدم رغبتها أو قدرتها على الخروج عن الخط الأميركي في الشأن السوري، منها:

- تعقّد المشهد السوري ودور القوى الإقليمية من إيران وتوابعها العراقية واللبنانية (حزب الله)، مما يعني أن التدخل في سوريا هو مواجهة كل هذه الأطراف على أكثر من جبهة.

- التقديرات العسكرية التي تشير إلى أن التدخل أو الدعم العسكري سيكون طويلا ومكلفا ويحتاج إلى إعادة رسم خارطة القوى في المنطقة.

- الدور الروسي في سوريا، وتجنب مواجهة روسيا أوروبيا وترك الأمر دائما للمعالجة الأميركية، ولذا كلما يطرح سؤال محرج على الدول الأوروبية عن ترددها في الشأن السوري فإنها تجيب بأن الأميركيين والروس يحضّرون لاتفاق تمهيدي لمفاوضات «جنيف 2».

- مصالح الدول الأوروبية في سوريا وجوارها أقل بكثير من مصالح أميركا التي تدير وتضمن توازن القوى الإقليمية من إيران إلى إسرائيل. فإذا أخذنا بعين الاعتبار مبدأ البراغماتية السياسية والعسكرية ستكون الشهوة للتدخل والدعم العسكري في الشأن السوري أوروبيا أقل بكثير منها أميركيا.

- يرى كثيرون من صناع القرار الأوروبي أن أي تدخل أو تسليح في سوريا لن يكون محدودا بل سيكون مقدمة لحرب مفتوحة لا تقل ضراوة وتكلفة عن حرب العراق. ولقد حذر رئيس أركان الجيش البريطاني السابق ديفيد ريتشاردز، في مقابلة نشرتها صحيفة «الديلي تلغراف» (18 يوليو/ تموز، 2013)، من أن فرض منطقة حظر جوي فوق الأراضي السورية لن يكون كافيا من دون تدخل عسكري للسيطرة على الأرض. وقال «إن أردتم تحقيق المفعول الملموس الذي يطالب به البعض، فيجب أن تكونوا قادرين على ضرب أهداف على الأرض، وبالتالي فسوف تذهبون إلى الحرب إن كان هذا ما تريدون».

- رفع الحظر عن السلاح تم في الاتحاد الأوروبي قبل أميركا ومع ذلك لم تقدم الدول الأوروبية السلاح إلى الجيش الحر، مما يؤكد الرغبة الأوروبية في انتظار القيادة الأميركية للشأن السوري.

- فرنسا وبريطانيا أول من أكد أن النظام تجاوز الخطوط الحمراء باستخدامه السلاح الكيماوي، بينما ظلت أميركا تبحث عن ذرائع لكي لا تعترف بأن النظام تجاوز خطوط أوباما الحمراء عدة مرات. ولكن، على الرغم من تقدم الموقف والتصريحات الأوروبية على الجانب الأميركي في هذا الخصوص، لم نشاهد أي تقدم في اتخاذ القرار والانتقال من نطاق التصريح إلى نطاق التطبيق.. لا أوروبيا ولا أميركيا.

- لو فرضنا أن أي دولة أوروبية راغبة في أخذ دور القيادة في التدخل في الشأن السوري فهي لن تجد حلف الأطلسي «ناتو» بجانبها كما كان الحال في أزمات سابقة، وذلك لأن الجانب الأميركي متردد وغير راغب في التدخل. القيادة الأميركية للتدخل تعني ضمنيا التحالفات الكبرى وعلى رأسها «ناتو».

- في كل مرة ترفع الدول الأوروبية نبرة الصوت بالتدخل تسارع أميركا إلى تخفيف الوتيرة، ويتبع ذلك تراجع واضح في الموقف الأوروبي بعد الضغط الأميركي المعاكس. فمثلا، صرح وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس لتلفزيون «فرنسا 2»: «لا يوجد شك في أن النظام والمتواطئين معه هم المسؤولون عن استخدام الكيماوي.. وكل الخيارات مطروحة بما فيها التدخل العسكري»، فسارع الجانب الأميركي للتصدي لهذا التصريح بطلب المزيد من التدقيق والتمحيص في نتائج الفحوصات الفرنسية. وبعدها خفت الصوت الفرنسي.

خلاصة الكلام أن الدول الأوروبية تنتظر القيادة الأميركية للملف السوري، أو على الأقل التعاون الأميركي والضوء الأخضر بالقيادة بالنيابة عنهم. فرفض الجانب الأوروبي أخذ الأمور على عاتقه وحده أصبح واضحا، ولا يمكن لأحد أن يشكك في انعدام الرغبة وربما العجز عن قيادة الملف السوري دون الأميركيين. ويبدو أنه لسوء حظ المعارضة السورية بل الشعب السوري، لا يوجد قرار عملي بالتدخل من دون قيادة أميركية، وهي التي ينطبق عليها المثل الشعبي «لا ترحم ولا تترك رحمة الله تنزل».

* إعلامي وناشط معارض سوري