السؤال الأول: هل هناك معايير يجب أن تحكم الإعلام الساخر؟

لا... الإعلام الساخر بين «الغلاء المبكر.. وزواج المهور»!

TT

أضحكني كثيرا الزميل العزيز إياد أبو شقرا حين بعث لي برسالة على الفاكس يطلب فيها مني كتابة موضوع عن «الإعلام الساخر في العالم العربي»، وهل هناك معايير يجب أن تحكمه. ثم أضاف: «حبذا لو يكون الجواب بـ... لا».

ابتدأ الزميل أبو شقرا أول القصيدة بـ«عبس وتولى»! الجواب المنطقي هو أصلا «لا»! إذ لا يجب أن تكون هناك «معايير تحكم الإعلام الساخر». وهذا الأمر موجود - على رأي صديقنا السوداني في فيلم «الإرهاب والكباب» حين يكرر لازمته الطريفة «في أوروبا والدول المتقدمة»! دعونا أولا لا نأخذ الرسم الكاريكاتيري كأحد فروع الإعلام الساخر ونقول إنه كان «محرما» أيام صدام حسين، ولقد سألت ذات يوم نقيب الصحافة العراقية في ذلك الزمن، وقبيل الغزو العراقي للكويت، عن السر في ذلك، فقال: «الكاريكاتير سلاح صهيوني إمبريالي رجعي»! الرسام السوري الشهير علي فرزات صديق عزيز وتزاملنا في جريدة واحدة لأكثر من ربع قرن، وكان يرسل رسوماته بالفاكس من دمشق إلى الكويت، ولقد روى لي طريقة الإرسال اليومية المعقدة. إذ كان يذهب إلى وزارة الإعلام ويرافقه اثنان من الحرس إلى غرفة مغلقة، يتم فتحها فيجد بداخلها جهاز فاكس فيرسل الرسم وتغلق الغرفة ثانية، ويرافقه الحرس إلى الخارج.

كان جهاز الفاكس «جريمة عقوبتها السجن» في سوريا حتى تولى الرئيس بشار الأسد السلطة. وطبعا، كلكم تعرفون كيف كسروا أصابع فرزات بسبب رسمة كاريكاتيرية يظهر فيها الأسد وهو يلوح بيده بإشارة «أوتوستوب» لسيارة مسرعة نحو الهاوية يقودها معمر القذافي! ورسام كاريكاتيري خليجي - لا أريد ذكر اسمه وبلده حتى لا يشمت بي الزميل أبو شقرا - اشتكى لي ذات يوم عدم التطرق في رسوماته إلا لأمرين اثنين... غلاء المهور والزواج المبكر، فنصحته بموضوع ثالث. وهنا سألني متلفها «وما هو؟» فقلت «الغلاء المبكر وزواج... المهور»!! من أهم الأسلحة التدميرية التي ضربت حكم «الإخوان» في مصر «الإعلام الساخر والأقلام الساخرة والكاريكاتيرات الساخرة»، خاصة أن جماعة الإخوان - وإن كانت غنية بالأطباء البشريين و«البيطريين» والمهندسين والصيادلة وغيرهم... فإنها فقيرة جدا بالكتاب الساخرين ورسامي الكاريكاتير... مثلما هم فقراء بالأدباء والفنانين والمسرحيين والنقاد... إلى آخره!! تستطيع أن تملأ ناقلة نفط بالكتاب الجادين في دول مجلس التعاون الخليجي - مثلا - لكنك لا تستطيع أن تملأ سيارة «فولكسفاغن» من طراز «بيتل» بكتاب ساخرين في المنطقة ذاتها! السبب؟

الجينات... أولا، ثم «العادات والتقاليد» ثانيا، و«ثالثة الأثافي» أحزمة النار المتمثلة بقوانين المطبوعات الصارمة التي تجعل من السخرية «تجاوزا على ولي الأمر».. ومحاولة «هز صورة النظام لدى الشعب»... إلى آخره!! النتيجة؟

الإعلام الساخر يجب أن لا تحكمه معايير القرن السابع عشر في العالم العربي... ونحن في القرن الحادي والعشرين!

* كاتب وإعلامي كويتي