أ يشكل هذا التباعد انتصارا إقليميا جديدا لإيران؟

لا ... إذا ما نظرنا إلى الوضع برمته.. وإن بدا كذلك بنسبة محدودة

TT

لقد رحب قطاع واسع من مؤسسة السلطة في إيران بـ«الربيع العربي» عندما بزغ في تونس ثم مصر. كيف لا وقد أطاح التغيير داخل البلدين بنظامين عربيين علمانيين مواليين للولايات المتحدة وعلى علاقة عداء مع إيران؟! كان هذا، بالذات، الموقف الحقيقي من حكم حسني مبارك في مصر، الذي خلق مشكلات مع حركة حماس في غزة التي كانت تتلقى الدعم من إيران في صراعها مع إسرائيل. والواقع أن بعض الساسة الإيرانيين ذهبوا أبعد من ذلك، مدعين أن «الربيع العربي» جاء نتيجة التأثير التحريري لثورة 1979 في إيران. ثم إن تولي قوى إسلامية على صلة بجماعة الإخوان والمسلمين السلطة في مصر وتونس لقي ترحيبا ملحوظا من القادة الإيرانيين، ولو بشيء من التحفظ بسبب صلات «الإخوان» التاريخية الوثيقة بالجماعات التي تصف نفسها بالسلفية.

غير أن الحرب الأهلية السورية غيرت كل شيء، عندما اصطفت دول إقليمية عدة في الجهتين المتقابلتين في الحرب. وعند هذه النقطة أعلن الرئيس المصري المنتخب حديثا محمد مرسي بدء تأييد معارضي النظام السوري، متحالفا مع تركيا والمملكة العربية السعودية وقطر وغيرها من دول المنطقة. ولكن تأييد مرسي المعارضة السورية ووقوفه مع الجهود التركية لدعم تلك المعارضة كانا ربما رمزيين وليسا حقيقيين.

ومع الأخذ في الاعتبار المشكلات الداخلية الكثيرة، وفي غياب الحدود المشتركة مع سوريا، وانعدام الإمكانيات المادية التي يعتد بها لإعانة المعارضة، كانت مصر عمليا داعما ثانويا بالمقارنة مع الدعم المالي الخليجي والإسناد التركي اللوجيستي الذي وفر للمعارضة السورية ما تحتاجه.

أما فيما يخص إيران، فإن الدفاع عن الدولة السورية غدا اعتبارا رئيسا عند نظام الجمهورية الإسلامية. وتعريف سوريا بـ«خط المواجهة عند محور المقاومة» (ضد إسرائيل والغرب) مهّد لضخ الدعم لجهود النظام الحربية. ومع أنه لا صلات تُذكر بين ثورة 1979 الخمينية و«الربيع العربي»، ينظر بعض الإيرانيين إلى أنها أوجدت حالة من العزة والثقة بالنفس عند الشيعة على امتداد العالم. وكانت النتيجة ولادة «هلال شيعي» يمتد من لبنان غربا مرورا بسوريا والعراق إلى إيران.

إيران هي الكيان الأثبت والأقوى بين كيانات هذا «الهلال» الذي باتت مسألة حمايته مسألة مركزية في حسابات نظام الجمهورية الإسلامية، وهو ما يُترجَم عمليا بالدفاع عن النظام السوري. وفي هذا السياق ما كانت مصر لاعبا أساسيا في الأزمة السورية منذ البداية، وبالتالي فخروجها من المسرح ليس له أي تأثير يذكر على التدخل الإيراني في سوريا. ولكن، بفعل الحرب السورية، أخذت علاقات إيران بتركيا تتأثر سلبيا، بينما تبخرت أي آمال بتحسن العلاقات الإيرانية - المصرية.

إن وقوف مصر مع المعارضة السورية وسياسة تركيا إزاء نظام دمشق، بكل ما فيها من رمزية، ظل يعني شيئا، كون مصدره أقوى دولة عربية. ومن ثم جاءت إزاحة الرئيس محمد مرسي في تحرك خلفه الجيش لتحدث تغييرا جديدا في المعادلة.

قادة مصر الجدد، كما يبدو، منهمكون بالتعامل مع التحديات الداخلية أكثر من رغبتهم في خوض مغامرات خارج حدود البلاد. وهذا ما أدى إلى سحب التأييد السابق لسياسة أنقرة إزاء سوريا، وإبعاد مصر عن الحرب السورية، وكما يبدو أيضا، يعيد مصر بسرعة إلى حالها قبل «الربيع العربي».

هل يشكل هذا الوضع الجديد انتصارا لإيران؟ الإجابة تظهر لي كـ«نعم» بنسبة محدودة جدا، وكـ«لا» في المنظور العام الأشمل.

لقد فرغت إيران للتو من انتخابات لشغل لمنصب رئيس الجمهورية، واختارت إدارة براغماتية تهدف إلى تحسين المستوى المعيشي والواقع الاقتصادي للشعب الإيراني، وهذا يتأتى في جزء منه عبر خفض منسوب التوتر الناجم عن سياستها الخارجية. ويندرج هنا الموضوع النووي والأزمة السورية.

إيران منهمكة جدا في محاولة منع سقوط النظام السوري، ولهذه الغاية خصصت موارد كبيرة. غير أن التورط في الحرب السورية الباهظة الكلفة لا يتناسب كثيرا مع المقاربة البراغماتية للرئيس الجديد وعمله على خفض التوتر.

إن استخدام السلاح الكيماوي في سوريا أدى إلى تزايد الخلافات في أعلى مستويات السلطة في إيران، وذلك بين أولئك الذين يرون أن النظام السوري لا يستحق الإنقاذ والذين الذين يجادلون بأهمية مواصلة دعمه. وهنا، يمكن القول إن التنافر بين مصر وتركيا أفقد المعارضة السورية شكلا من أشكال الدعم الرمزي، لكنه لم يكن له أي تأثير على أرض المعركة. وفي ضوء هذا الواقع كانت تداعياته ثانوية على مصالح إيران الإقليمية.. ولا يجوز بأي حال اعتباره انتصارا مبهرا لنظام الجمهورية الإسلامية.

* أستاذ مشارك، إيراني الجنسية، في دائرة التاريخ بجامعة سان فرانسيسكو الحكومية في الولايات المتحدة