أتتوقع استمرار هذا الوضع الإقليمي أي تقدم روسيا مقابل تراجع الدور الأميركي في المستقبل المنظور؟

نعم... .. ولن تكون روسيا وحدها التي ستغتنم فرصة ضعف الإدارة الأميركية الحالية

TT

من دون شك، لن تكون روسيا وحدها التي ستغتنم فرصة ضعف الإدارة الأميركية الحالية وتراجع دور الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط، بل معظم القوى الإقليمية ستسعى لتحقيق أقصى قدر من الاستفادة. في ما يتعلق بروسيا، فإن هناك عدة أسباب تدفعها إلى ملء الفراغ الذي تتركه واشنطن في الشرق الأوسط، وأول هذه الأسباب يتمثل في الوضع السوري. إن الحرب الدائرة في سوريا بين قوات المعارضة وكتائب النظام، مع التراخي الأميركي الذي انتهى إلى الإعراض عن القيام بأي دور يحسم الوضع بسرعة ويلجم آلة الدمار المسلطة على الشعب السوري، تجعل من مستقبل المنطقة هناك غير واضح المعالم. وهو أمر لا ينعكس سلبا على أمن دول الجوار ومصالحها فحسب، بل يهدد أيضا المصالح الروسية، والقواعد الروسية في سوريا، والحضور الروسي في مياه المتوسط، وروسيا تدرك ذلك جيدا، وتعلم أن الصراع الدائر في سوريا سوف ينتهي بالتأثير على نفوذها، ولذلك فإنه من مصلحة روسيا أن تفكر بشكل استراتيجي، وأن توجد لنفسها موطئ قدم أخرى في الشرق الأوسط، ولن تجد روسيا فرصة أفضل من الفرصة المتاحة لها من واشنطن، في خضم تراجع الدور الأميركي في المنطقة وضعف الإدارة الأميركية الحالية، كي تزيد من نفوذها واهتمامها بمنطقة الشرق الأوسط، بما فيها منطقة الخليج العربي، ولتؤمن لنفسها نفوذا يعوضها عن ذاك الذي قد تفقده بالكامل في سوريا.

الأمر الآخر الذي يصب في الاتجاه نفسه هو أن دول مجلس التعاون الخليجي، والإقليم الذي تقع فيه باعتباره الأهم في الشرق الأوسط، يمثلان كتلة من النفوذ المالي والاقتصادي والتجاري على مستوى العالم، وممرا لأكثر من 50 في المائة من إمدادات البترول في العالم، ومن صالح أي قوة في العالم أن يكون لها نفوذ في هذه المنطقة، وأن تتمتع بعلاقات جيدة مع دول الخليج، ومن المهم الإشارة هنا إلى أن أغلب دول مجلس التعاون تربطها بروسيا علاقات جيدة، وهناك تعاون متبادل على مختلف الأصعدة، ولجنة للحوار الاستراتيجي، وهو ما يعني أن الظروف مهيأة لروسيا كي تستفيد من جميع هذه المعطيات التي يضاف إليها كون منطقة الشرق الأوسط، ودول مجلس التعاون الخليجي، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، مهد العروبة وقلب الإسلام، وكعبة تتوجه إليها أبصار وقلوب العرب والمسلمين، بما يعطيها أهمية قصوى في العالمين العربي والإسلامي.

أيضا علينا ألا نغفل حقيقة أنه من المتعارف عليه، بالنظر إلى طبيعة العلاقات الأميركية الخليجية خلال أكثر من ثلاثة عقود، أنه حينما يصل الجمهوريون إلى رئاسة البيت الأبيض فإن العلاقات الأميركية الخليجية تتجه أكثر إلى الاستقرار (مع استثناء الفترة التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر/ أيلول)، على عكس الحال حينما يكون الديمقراطيون في الحكم. ومع تزايد التوقعات بإمكانية عودة الجمهوريين إلى رئاسة البيت الأبيض مجددا - بحسب بعض التقارير الصادرة عن عدد من مراكز قياس الرأي الأميركية وغيرها التي تعتبر أن سياسة الرئيس «الديمقراطي» أوباما، قد أدت إلى خسارة حلفائه في الشرق الأوسط وتراجع الدور الأميركي في العالم - فقد تتشجع روسيا على زيادة سرعة عجلة سعيها إلى تثبيت نفسها في الشرق الأوسط، واستغلال فرصة وجود الديمقراطيين في البيت الأبيض، لأن هذا الوضع قد يتغير كثيرا إذا ما عاد الجمهوريون.

إن سعي روسيا إلى زيادة نفوذها في منطقة الشرق الأوسط باعتبارها منطقة حيوية للغاية، لا يخدم مصالحها هي فقط، بل يصب أيضا في صالح الحليف الأكبر لروسيا «الصين»، التي باتت اليوم أكبر مصدر للسلع والبضائع إلى دول مجلس التعاون الخليجي، متفوقة بذلك على الولايات المتحدة. وترى الصين أن زيادة النفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط أفضل بكثير من وجود النفوذ الأميركي المنافس، خصوصا أن الولايات المتحدة سعت كثيرا إلى إبعاد الصين عن هذه المنطقة الحيوية على مر السنوات الماضية، ومع ذلك نجح سلاح البحرية الصيني في تكوين سلسلة من قواعد النفوذ على امتداد المحيط الهندي.

في المحصلة النهائية، ليس هناك من شك في أن الاهتمام الروسي بمنطقة الشرق الأوسط سيستمر خلال فترة حكم الرئيس أوباما، وستسعى روسيا إلى تحقيق أقصى استفادة ممكنة، كما أشرنا، من سياسة الإدارة الأميركية الحالية لتحل نفسها محل القوة العظمى التي بدأ نفوذها يتناقص.

* كاتب وأكاديمي بحريني