السؤال: هل تتوقع أن تتوصل مفاوضات السلام إلى اختراق حقيقي خلال الأشهر التسعة المقررة لها؟

نعم... على الرغم من المعوّقات.. الرهان على جدية الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي

TT

لم يستقبل نبأ استئناف المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية باهتمام شعبي في الشارع الفلسطيني، بل على النقيض من ذلك. فقد تناولت الأوساط السياسية والشعبية هذا الخبر بفتور ملحوظ، واعتباره شكلا من أشكال التراجع الفلسطيني عن حدود اعتُبرت خطوطا حمراء، وفي المقدمة منها: «لا مفاوضات في ظل الاستيطان». في حقيقة الأمر، جرى الإعلان عن استئناف المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية في ظل ضغوط قوية دولية وإقليمية على الطرفين: الفلسطيني والإسرائيلي، على حد سواء.

المتابع للشأن الفلسطيني، يعرف، حق المعرفة، أن مسارات المفاوضات السابقة، عبر السنوات الخوالي، منذ عام 1994، أنجزت كثيرا من الأمور فيما يتعلق بقضايا الحل النهائي، وبأن احتياجات الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي باتت واضحة للطرفين وللاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وبات السير في المفاوضات، يقتضي نوعا من القرار السياسي، ومن الطرفين المعنيين، الفلسطيني والإسرائيلي.

لقد توقفت المفاوضات نتيجة لاستمرار الاستيطان، ونهب الأراضي الفلسطينية، وتقطيع أوصالها، وتمنّع إسرائيل عن تحديد المرجعيات القانونية لتلك المفاوضات، وبالتالي تحديد حدود الدولة الإسرائيلية.

كان اعتلاء بنيامين نتنياهو سدة الحكم في إسرائيل بمثابة «اغتيال» لعملية السلام برمتها، وبدء مرحلة جدية، لفرض الوقائع على الأرض من دون أي اكتراث بالاتفاق الفلسطيني - الإسرائيلي 1993، أو ما سبق إنجازه سابقا عبر جولات التفاوض.

لم تسهم سياسة وقف المفاوضات قيد أنملة بوقف الاستيطان، بل زادت وتائره وارتفعت حدته، واشتد خطره. وبالتالي، باتت عملية المفاوضات، ومسار السلام، في خطر داهم، في ظل معطيات إقليمية ودولية ومتغيرات غير مسبوقة في العالم العربي، وهو ما جرت تسميته بـ«الربيع العربي».

وباتت دول الاتحاد الأوروبي تنظر إلى توقف المفاوضات بحذر شديد، كما باتت المصالح الوطنية الأميركية تقتضي نوعا من التسوية السلمية على مسار المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، بما يضمن بقاء مصالحها قائمة في الشرق الأوسط. من هنا تحديدا، جاء التحرك الأوروبي والأميركي، تجاه مسار المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، ومحاولة إحياء تلك المفاوضات، والوصول بها إلى بر الأمان.

لعله من نافلة القول، أن تكوين الحكومة الإسرائيلية الراهنة، في ظل الائتلاف القائم أساسا من الليكود و«إسرائيل بيتنا» و«شاس» هو ائتلاف يجعل من الاستيطان، قاعدة من قواعد المشروع الصهيوني القائم، ولا يؤمن بعملية السلام أساسا. في ظل هذا الائتلاف، لا يمكن لعملية المفاوضات أن تتقدم خطوة واحدة، وأن الأمور إذا تركت لرغبات وتوجهات تلك الحكومة، فإن عملية المفاوضات الجارية، ستفشل حتما.

الفلسطينيون من جهتهم، وعلى الرغم من مسارات التفاوض السابقة، وما آلت إليه من فشل ذريع، يدركون تلك الحقيقة، تمام الإدراك، لكنهم، في الوقت ذاته، يرون أن الاستجابة للإرادة الدولية، خاصة من لدن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدخول للمفاوضات مجددا أجدى وأصح من أن يكونوا خارجها.

لقد وافق الفلسطينيون على استئناف المفاوضات، بعدما أعلنوا بوضوح أن حدود الرابع من يونيو (حزيران) هي حدود الدولة الفلسطينية، وبالتالي، فإن كل ما بُني على الأرض الفلسطينية من مستوطنات بناء غير شرعي ومرفوض، كما أصرّ الطرف الفلسطيني على أن لا تكون هذه المفاوضات مفتوحة زمنيا، وتحديد فترتها الزمنية بتسعة شهور فقط.

كان من الملاحظ منذ بدء تلك المفاوضات أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة جادان في تلك المفاوضات، وأن مواقفهما باتت أكثر وضوحا. ومن هنا جاءت المراهنة على ضغط أوروبي - أميركي على إسرائيل، وعلى أن الولايات المتحدة، تحديدا، قادرة على الضغط على إسرائيل، إن أرادت ذلك، ثم أن هناك مصالح وطنية أميركية حيوية باتت تقتضي من الولايات المتحدة أن تمارس ضغطها على إسرائيل في ظل معطيات ومستجدات جديدة في المنطقة. ومن دون ممارسة هكذا ضغط، لن تتقدم المفاوضات.

باتت الأوساط الإسرائيلية الرسمية تدرك مخاطر فشل المفاوضات، كما تدرك مخاطر نجاحها، ففي الحالتين ستمنى هذه الحكومة بفشل ذريع وخطر في آن، لذا فهي تسعى جاهدة وبمختلف الوسائل لتفجير تلك المفاوضات في منتصف الطريق.

*رئيس تحرير فصلية «شؤون فلسطينية» - رام الله