السؤال: هل تتوقع أن تتوصل مفاوضات السلام إلى اختراق حقيقي خلال الأشهر التسعة المقررة لها؟

لا... تجربة العقدين الماضيين تؤكد سعي إسرائيل لتحويل أي حل انتقالي إلى دائم

TT

يصعب قبول تفسير التصعيد في خطاب حكومة بنيامين نتنياهو إزاء أسس الحل التفاوضي المقبول إسرائيليا، وفي الممارسات الاستيطانية على الأرض، بالسعي لإفشال المفاوضات الجارية مع الجانب الفلسطيني. فما الذي يحمل نتنياهو على ذلك، إذا كان التفاوض الثنائي دون مرجعيات والتزام مسبق بوقف الاستيطان يخدم مصلحة إسرائيلية، على الأقل في المدى المنظور؟! كذلك تصعب المقاربة بين النفي الفلسطيني لتحقيق أي تقدم يُذكر في تناول القضايا التفاوضية، والتسريبات الإسرائيلية حول خلافات تتعلق بالقدس والأغوار والمستوطنات، وتصريحات نتنياهو حول رفض تقسيم القدس (الشرقية طبعا)، واعتبار وادي الأردن حدودا إسرائيلية - أردنية أبدية، في ظل احتدام الجدل الإسرائيلي على أعلى المستويات بشأن كل ذلك، ما لم يكن الإسرائيليون يتحدثون ربما عن مسار تفاوضي آخر غير الذي يخوضه الفريق الفلسطيني برئاسة صائب عريقات! رغم ذلك، لا يمكن تجاهل سيناريو إفشال المفاوضات عند لحظة ما تصبح فيها الأفكار المطروحة للتسوية السياسية غير مرغوبة إسرائيليا. لكن منطق السياسة يغري بالحيلولة دون طرح أفكار تحظى بدعم أميركي ودولي، ولا تقبلها إسرائيل، وتحبيذ تحميل الفلسطينيين مسؤولية إفشال جهود وزير الخارجية الأميركي جون كيري.

ويبدو الأكثر ترجيحا أن السلوك الإسرائيلي الراهن يهدف إلى محاولة التأثير في مسار العملية التفاوضية، وليس إفشالها، من خلال: أولا، خلق وقائع متسارعة على الأرض تجعل تغييرها عبر المفاوضات أمرا صعبا. وثانيا، التأثير المسبق على أي أفكار قد يطرحها كيري عند استعصاء التقدم في المفاوضات لتقترب أكثر من الرؤية الإسرائيلية.

يعني ذلك أن «سيناريو» الفشل قد لا يكون المصير الوحيد الذي تواجهه المفاوضات وفق الحسابات الإسرائيلية. إذ يمكن أن يواجه المفاوض الفلسطيني «سيناريوهين» آخرين مع اقتراب انتهاء الفترة المحددة للمفاوضات، لا يختلفان من حيث الجوهر:

أولا: محاولة فرض حل انتقالي طويل المدى، يشمل إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود مؤقتة، مع تأجيل التفاوض حول قضايا الحل النهائي. وهو «سيناريو» قد تفضله حكومة نتنياهو، ولكن يرفضه الجانب الفلسطيني لأنه لا يختلف من حيث الجوهر عن الوضع القائم حاليا.

ثانيا: محاولة الولايات المتحدة التدخل عبر اقتراح صيغة «حل وسط» مدعوم أوروبيا، وربما عربيا وروسيا، عبر الاتفاق على حل انتقالي، ولكن مع توفير غطاء له بالتوصل إلى «إعلان مبادئ» يشمل أسس التفاوض اللاحق حول قضايا الحل النهائي، وفق جدول زمني، بما يتيح للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي الادعاء بأن الحل الانتقالي لا ينطوي على تقديم تنازلات لأنه لا يجحف بالمطالب النهائية كل منهما.

ولكن هذا «السيناريو» يهدّد بمخاطر جمة قد تتعرض لها القضية الفلسطينية في ظل أنباء تتحدث عن سعي أميركي لبلورة أفكار يتضمنها «إعلان مبادئ» تستند إلى معادلة «تبادل أراض وحقوق»، وتقترح في إطاره مساحة تبادل تنطلق من الأمر الواقع (الإسرائيلي)، وإدارة دولية مشتركة للبلدة القديمة من القدس، والإبقاء على وجود عسكري إسرائيلي في نقاط محددة في الأغوار، وقبل كل ذلك الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، والقبول بحل قضية اللاجئين بعيدا عن ديارهم التي هجروا منها.

وسواءً جرت محاولة فرض حل انتقالي بإعلان مبادئ، أو من دونه، فإن تجربة العقدين الماضيين تؤكد سعي إسرائيل لتحويل أي حل انتقالي إلى دائم. وهو خطر يجعل الانسحاب الفلسطيني من المفاوضات الثنائية الحالية أقل تكلفة من الاستمرار فيها وفق قواعد لعبة تتحكم فيها توافقات أميركية إسرائيلية قد تستجيب لمعادلات إقليمية جديدة تعيد رسم خارطة المصالح الأميركية الإسرائيلية، وتكون ضحيتها الأولى الحقوق الفلسطينية المشروعة.

* مدير البحوث والسياسات في المركز الفلسطيني للأبحاث والدراسات الاستراتيجية