هل تعتقد أن بمقدور «حماس» منع تحقيق اختراق في هذه المفاوضات؟

لا... معارضة «حماس» لأي اتفاق انتقالي أضعف من معارضتها لاتفاق نهائي

TT

إذا توصلت المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية إلى اتفاق، سواء بتدخل أو من دون تدخل أميركي أو دولي فاعل، وهذا أمر ليس سهلا أو صعبا ولكنه ليس مستحيلا تماما؛ فإن حركة حماس تستطيع أن تعارض هذا الاتفاق، لكنها لن تتمكن من منع توقيعه أو تطبيقه. فالحركة اليوم في وضع صعب للغاية، خصوصا، بعد المأزق الشامل الذي تعيشه بعد سقوط حكم «الإخوان المسلمين» في مصر، واتخاذها موقفا ظهرت فيه كأنها مجرد امتداد لجماعة الإخوان المسلمين أكثر ما هي حركة مقاومة وجزء من حركة التحرر الوطني الفلسطيني. وهو ما أدى إلى تداعيات خطيرة على صعيد علاقة مصر بحماس وإغلاق الأنفاق، وتضييق المرور على معبر رفح، الأمر الذي أضاف عاملا جديدا لتجميد تطبيق «اتفاق القاهرة». أضف إلى ذلك العامل الإسرائيلي الفاعل جدا في هذا الميدان، وإلى شروط اللجنة الرباعية الدولية التي وضعت عقبة «كَأْدَاء» أمام نجاح الجهود المبذولة لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية.

بالتأكيد، قدرة حماس ومختلف أطراف المعارضة الفلسطينية على منع اتفاق تتوقف على عدة عوامل، تبدأ أولا بقدرتها على تقديم تصور لبديل عملي متكامل عن خيار المفاوضات الثنائية برعاية أميركية، وهذا غير متوفر حتى الآن. وتمر ثانيا بمضمونه، وهل هو اتفاق انتقالي أم نهائي؟ لأن معارضة حماس لأي اتفاق انتقالي أضعف من معارضتها لاتفاق نهائي، وستتحدد درجتها فيما إذا ستكون شريكة ومستفيدة من هذا الاتفاق الانتقالي أم مستبعدة عنه بالكامل؟ وفي هذه الحالة ليس من مصلحتها التغطية عليه وتمريره، ولكنها لن ترمي بكل ثقلها من أجل منعه، خصوصا إذا لم يؤثر على استمرار سيطرتها الانفرادية على قطاع غزة.

وتنتهي ثالثا بمسألة: هل سيشمل الاتفاق تجاوزا صريحا لـ«الخط الأحمر» الفلسطيني فيما يتعلق بقضايا الوضع النهائي (القدس والحدود واللاجئين والأسرى والاستيطان والمياه والسيادة) والاعتراف من عدمه بإسرائيل كدولة «يهودية» وإنهاء الصراع، والكف عن المطالب، أم سيكون بصيغة غامضة حمّالة أوجه عدة؟

هناك فارق بين اتفاق واتفاق، والاتفاق المحتمل التوصل إليه إذا كان ذلك ممكنا أصلا سينتقص حتما من الحقوق الفلسطينية، وذلك جرّاء وجود اختلال فادح في ميزان القوى لصالح إسرائيل، وفي ظل تربع أكثر الحكومات تطرفا في تاريخ إسرائيل منذ تأسيسها، وقيامها بأوسع وأكثف حملة محمومة متعددة الأشكال والاستهدافات من أجل استكمال خلق أمر واقع احتلالي استيطاني استعماري إجلائي عنصري يجعل الحل الإسرائيلي هو الحل الوحيد المطروح والممكن عمليا.

وحتى لو سلمنا جدلا بأن الاتفاق سيكون من حيث المبدأ جيدا أو سيئا وليس سيئا للغاية، فهو سيتحول في التطبيق إلى اتفاق سيئ كليّا، كون المتحكم به الطرف الإسرائيلي صاحب القوة على الأرض، وهو سيطبقه بما يتفق مع سياساته ومصالحه وأطماعه.. تماما مثلما حصل عند تطبيق «اتفاق أوسلو». ذلك الاتفاق اتفاق سيئ، ولكن جرى تطبيقه بصورة أسوأ بكثير، وذلك عندما تجاوزت إسرائيل عند تطبيقه معظم التزاماتها به، بينما التزم الجانب الفلسطيني عمليا بأكثر من التزاماته الواردة في الاتفاق.

الموقف الفلسطيني ضعيف للغاية في ظل الانقسام وانكشاف ظهرهم مع انشغال العرب بينما يجري من تغييرات عاصفة في العديد من البلدان العربية، وبما يمكن أن يجري في بلدان أخرى. وتحاول الولايات المتحدة الأميركية إقناع إسرائيل باستغلال هذا الموقف من خلال السعي لفرض حل «تصفوي» للقضية الفلسطينية. وإذا كان من الممكن أن يكون نهائيا وشاملا فهذا أفضل، وإذا لم يكن كذلك، فحل انتقالي جديد مغطّى أو غير مغطى بحل نهائي.

* مدير مركز «مسارات لأبحاث السياسات» - غزة