هل ترى وجود تناقض جدي بين واشنطن وتل أبيب في هذا الملف؟

نعم.... إنه اليوم يتجاوز الأشخاص ليمس تعريف المصالح الإقليمية للجانبين

TT

لقد أضاف التقارب المحتمل بين إيران والولايات المتحدة طبقة أخرى جديدة من طبقات التنافر في العلاقات المتوترة أصلا بين واشنطن وتل أبيب. وتبدو تل أبيب اليوم، مثل شركاء آخرين لواشنطن في الشرق الأوسط متشككة في أي «مساومة كبرى» مع طهران حول برنامجها النووي والعقوبات الراهنة المفروضة عليها دوليا. ولقد رفض رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو علانية الصفقة التي اقتربت من إكمالها المفاوضون الأميركيون والإيرانيون في جنيف.

نتنياهو وصف التفاهم المبدئي في جنيف بـ«صفقة القرن بالنسبة لإيران» و«سيئة وخطيرة بالنسبة لمصالح إسرائيل»، بلهجة مغايرة تماما للهجة البيت الأبيض. إذ رد وزير الخارجية الأميركي جون كيري موضحا «لسنا عميانا، ولا أظن أننا أغبياء» في مسألة فهمنا لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها. ومن ثم أضاف الرئيس باراك أوباما دعمه لتخفيف العناء الذي تتسبب به العقوبات عن إيران لقاء تحقيق تقدم في المفاوضات النووية، وذلك بحثه الكونغرس على الإحجام عن التصويت لفرض عقوبات إضافية أشد ضدها.

غير أن نتنياهو عاد فرد مصعدا معلنا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي «لقد وجدنا قبل أربعة آلاف سنة، والشعب اليهودي ونحن لن نسمح لآيات الله المدججين بسلاح نووي بتهديدنا». وجاءت كلماته هذه، مثل كلمات كيري من قبله دليلا على المستوى الذي بلغته العلاقات الإسرائيلية – الأميركية، أقله على مستوى القيادتين، في مجابهة مريرة تشمل تبادل اتهامات وإطلاق مسميات لا تخلو من إهانة بالتوازي مع تراجع قد يكون حاسما في مستوى الثقة المتبادلة بين واشنطن وتل أبيب. ولكن ليست إيران وحدها مسؤولة عن هذا الحد غير المسبوق في التشنج الحاصل في علاقات الحليفين الاستراتيجيين التي كانت لعقود من ثوابت السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.

خلال الفترة القصيرة الماضية فقط، قال كيري إن تعذر التوصل إلى اتفاق الحل النهائي في القضية الفلسطينية قد يؤدي إلى اندلاع «انتفاضة ثالثة»، ومزيد من العزلة الدولية لإسرائيل. وفي المقابل، عمق القادة الإسرائيليون تدخلهم في الشؤون الأميركية الداخلية بعد سنة واحدة من اقترابهم عمليا من إعلان تأييدهم الصريح للمرشح الجمهوري ميت رومني في انتخابات الرئاسة الأخيرة ضد أوباما عام 2012. وفي هذا السياق ناشد نتنياهو المنظمات اليهودية الأميركية للتضامن مع إسرائيل وتبني موقف علني صريح ضد «اتفاق جنيف» مع إيران، بينما تعهد الوزير الإسرائيلي اليميني المتشدد نفتالي بينيت بأن ينشط بصورة مباشرة مع عشرات من أعضاء الكونغرس الأميركي قبل الجولة المقبلة من المفاوضات.

من جهة ثانية، يجب القول إن العلاقات بين إدارتي أوباما نتنياهو ما كانت منذ البداية ودية. إذ رأى ساسة إسرائيليون خطاب أوباما في القاهرة خلال يونيو (حزيران) 2009 بأنه «ساذج إلى درجة خطرة» وعارضوا محاولات واشنطن الفاترة وقف بناء المستوطنات فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة. ومن ثم أدت الانتفاضات العربية في فبراير (شباط) 2011 وتداعياتها إلى مزيد من التوتر بين واشنطن وتل أبيب بينما حاولت العاصمتان فهم طبيعة الانتفاضات والأبعاد التغييرية التي تنطوي عليها على امتداد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومع أن العاصمتين ما كانتا وحدهما حائرتين إزاء تفسير ما يحدث، فإن «تخلي» واشنطن – كما ظهر – عن حليفها القديم (نظام حسني مبارك) في مصر، وبروز «الإخوان المسلمين» وتوليهم السلطة، حطم المسلمات القديمة في المنطقة. على صعيد آخر، فإن القلق المتنامي في أوساط أصدقاء واشنطن وحلفائها في الشرق الأوسط من حدوث إعادة الولايات المتحدة النظر في تحالفاتها وتعريف مصالحها يوحي للبعض ببدء عملية إعادة فرز إقليمية.

إسرائيل ودول الخليج ليست كيانات متماثلة المصالح، غير أن لدى الفريقين شكوكا عميقة بنيات إيران، ورغبة في الإبقاء على العقوبات وممارسة الضغط على طهران. وهنا لاحت الفرصة أمام بعض القيادات الانتهازية كالرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند للتقرب على حدة من كل من المملكة العربية السعودية وإسرائيل. إذ إنه زار إسرائيل يوم 17 نوفمبر لطمأنة نتنياهو بأن فرنسا لن تتنازل حيال «منع الانتشار النووي بل ستصر على المطالب والعقوبات». ولكن، مع استمرار مسار جنيف قدما سترتفع الأصوات المعترضة من الشركاء المتشككين، جنبا إلى جنب مع قوى المعارضة الداخلية داخل أروقة الكونغرس الأميركي. ومع معاناة أوباما سياسيا من بعض الضعف الناجم عن دفعه «مشروع قانون الرعاية الصحية الاقتصادية»، فإن أي نكسة في الملف الإيراني ستعطي خصوم أوباما السياسيين مزيدا من الذخيرة ضده.

كذلك في المناخ غير الصحي الذي يسود العلاقات الأميركية – الإسرائيلية، من المحتمل جدا أن تنضم شخصيات إسرائيلية بارزة إلى حملة مناوئي أوباما الداخليين، بدعم غير مباشر من فرنسا، وأيضا من بعض الدول الخليجية.

من فلسطين إلى إيران.. يبدو المسرح مهيئا لفصول مشحونة بصورة غير مسبوقة في العلاقات الأميركية – الإسرائيلية لعقود خلت. الخلاف اليوم ما عاد خلافا شخصيا بل هو خلاف على تعريف المصالح الإقليمية واحتسابها.

* خبير بشؤون الخليج وزميل في معهد بيكر - جامعة رايس الأميركية.