هل ذابت الفوارق في نظرك بين الناشط الحقوقي والناشط السياسي في دول الخليج؟

نعم.... لأن كثيرين من المتطفلين دخلوا الميدان وأحدثوا خلطا لا صلة له بحقوق الإنسان

TT

في البلاد الغربية، حيث الحراك الديمقراطي العريق، يعد الناشط السياسي جزءا لا يتجزأ من مكونات المجتمع المدني. والواقع هو أن الناشط هناك يعطي شرعية مضافة للنظام الحاكم، إذ هو يتحرك وفق ضوابط وآليات تصب في المحصلة النهائية في مصلحة الوطن والمواطن، والشيء ذاته يمكن أن يقال عن الناشط الحقوقي، مع الأخذ في الاعتبار أن مجالات عمل الناشط الحقوقي تتعدى الإنسان إلى الحيوان والبيئة وغيرهما. ولعلنا نذكر الممثلة الفرنسية الشهيرة بريجيت باردو التي تخصصت بعد تقاعدها عن التمثيل في الدفاع عن حقوق الحيوان منذ مدة طويلة، ولا تزال، فماذا عن الناشطين السياسيين والحقوقيين في عالمنا العربي، والخليجي تحديدا؟! لا جدال في أنه يوجد ناشطون سياسيون وحقوقيون في الخليج العربي يسيرون وفق ما تمليه الضوابط المعروفة لهذا النشاط، وفي ما يصب في مصلحة الوطن والمواطن على حد سواء، إلا أنهم مع الأسف قلة لا تكاد تذكر، إذ إن الأغلبية الساحقة هم ممن تطفل على هذا النشاط السامي المشروع، فتحول هؤلاء بسبب ممارساتهم إلى النشاط الإشكالي والمشوه الذي يعمل لمصلحة كل شيء وكل أحد.. إلا الوطن والمواطن، وأصبحنا نشهد خلطا عجيبا، مع تحول الناشط الحقوقي في الخليج العربي إلى كائن سياسي بحت، أو إلى معارض سياسي على شيء من الانتهازية يستغل مسألة الحقوق في سبيل تغليف معارضته السياسية لنظام الحكم. ويستطيع متابع هؤلاء - في مواقع التواصل الاجتماعي تحديدا - أن يلحظ كل أشكال التناقضات والنرجسية والبحث عن المصالح الذاتية. باختصار، كثرة من هؤلاء الذين يزعمون أنهم «ناشطون حقوقيون» ينشطون فعليا على حساب الوطن الذي يفترض أنهم يعملون له.. والمواطن الذي يفترض أنهم يعملون من أجله! وثمة نقطة أخرى جديرة بالاهتمام، وتلخص مأساة النشاط الحقوقي في الخليج، هي أن كثيرين ممن تطفلوا على هذا النشاط لا يملكون حتى التأهيل الأكاديمي اللازم. ولئن كان بعضهم يحمل تأهيلا علميا في تخصصات لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالقانون، فإن البعض الآخر يستغل غطاء النشاط الحقوقي لممارسة معارضته للنظام على أسس طائفية علنية، وبعضهم مؤدلج حتى النخاع، أو إن شئنا الدقة أكثر، منهم من هو عضو فاعل في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وهناك أيضا من أثرى تحت مظلة النظام الحاكم، ثم تحول إلى معارض سياسي باسم «ناشط حقوقي»، وذلك من باب الترف أو البحث عن الشعبية الجماهيرية. هؤلاء جميعا لا يعنيهم في شيء تقدم الوطن ولا المواطن ولا التنمية، بقدر ما يهمهم الانتصار للذات أو للطائفة أو للحزب أو للتنظيم.

حسنا، يزعم البعض أن النشاط الحقوقي أصبح جزءا من النشاط السياسي في الخليج، أي أن الناشط الحقوقي تحول إلى ناشط سياسي (!) وبارك هؤلاء هذه الخطوة. وعلى الرغم من بطلان هذه الفرضية، هناك أمثلة حية تصور الواقع الأليم والمشوه لما يقوم به من أطلقوا على أنفسهم لقب «الناشطين الحقوقيين»، ذلك أن من هؤلاء من يقيمون الدنيا في سبيل إطلاق سراح سجين ينتمي إلى تنظيمهم أو طائفتهم، لكنهم في المقابل وفي الوقت نفسه يلزمون الصمت حيال سجين آخر، لا ينتمي إلى حزبهم أو طائفتهم، مع أن السجينين مواطنان يحملان الهوية ذاتها ويعيشون الظروف ذاتها ووجهت إليهما التهم عينها. وهذا، بطبيعة الحال، تناقض فاضح لا يعلو عليه إلا وقوف بعض الناشطين الحقوقيين ضد قيادة المرأة للسيارة وضد عمل المرأة (!). وهنا هدفهم إحراج الحكومة وتشويه سمعتها أمام البسطاء.. وليس المطالبة بحقوق المواطنين أو السعي لتطوير آليات التنمية.

خلاصة الحديث، هي أن النشاط الحقوقي عمل سامٍ - بل ومطلوب - إذا ما مورس بأمانة وتجرد ومسؤولية ضمن الأعراف المتبعة في الأنظمة الديمقراطية العريقة، لأنه يساعد الحكومة في أداء مهام خدمتها للمواطن، وبالتالي يضفي عليها شرعية مضافة. ولكن للأسف هذا ما لا يحدث في الخليج العربي، حيث يلتحف بعض المعارضين السياسيين بغطاء النشاط الحقوقي بغية الحصول على مكاسب شخصية أو طائفية أو حزبية.. وكلنا أمل في أن تتغير هذه الصورة المشوهة للنشاط الحقوقي السامي في خليجنا العربي.

* أكاديمي وباحث وكاتب سعودي