هل أسهمت مواقع التواصل الاجتماعي حقا في تمدّد الإسلام السياسي؟

لا... تمدّد الإسلام السياسي سببه ظروف أخرى بجانب وسائل التواصل الاجتماعي

TT

قال وزير الداخلية المصري اللواء محمد إبراهيم في مؤتمره الصحافي في القاهرة خلال الأسبوع الماضي إن أعضاء جماعة الإخوان المسلمين «مَهَرة في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي»، فيما كان اعترافا منه بشيء إيجابي للجماعة في وقت يجري فيه ما يرقى إلى «إعدامها» في أعين الناس.

ومن مطالعتي لمواقع التواصل الاجتماعي أرى أن أعضاء جماعة الإخوان بشكل خاصّ لديهم حماس فعلي في استخدامها في توصيل رسائل الجماعة إلى الجمهور في الداخل والخارج. ولكن، مع ذلك، يصعب القول إن تلك المواقع قدّمت إسهاما كبيرا - وحتما ليس أساسيا - في تمدّد الإسلام السياسي.

ولنتكلّم عن التجربة في مصر.

الحقيقة أن نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك هو مَن قدم الإسهام الأكبر في تمدّد الإسلام السياسي من خلال حفاظه على علاقات تعاون عملية مع جماعة الإخوان المسلمين تضمّنت الكثير من المساومات والنفع المتبادل على مدى السنوات. وكانت تلك العلاقات أساس المفاوضات التي دخلت فيها جماعة الإخوان المسلمين مع نظام مبارك في أيامه الأخيرة للاتفاق على فترة انتقالية بعد النظام الذي كان ملايين المصريّين قد أصروا على وضع النهاية للذراع السياسية له (الحزب الوطني الديمقراطي).

بل إن من الصور التي لا تغيب عن الأذهان لتلك العلاقات أن الرئيس المعزول محمد مرسي قال في مقابلة صحافية عام 2010، حين كان عضوا قياديا في جماعة الإخوان المسلمين، إن الجماعة لن تقدّم مرشحين لانتخابات مجلس الشعب في الدوائر التي سيتقدم للترشح فيها من سمّاهم رموز النظام الحاكم. وذكر منهم بالاسم من صبّ عليهم الإخوان المسلمون الإدانات بعد الإطاحة بنظام مبارك.

والحقيقة أن علاقات التعاون بين الجانبين كانت أبرز الأسباب المهمة لتمدّد الإسلام السياسي باعتبار أن أيدي الإسلاميين، التي كانت طليقة في المجال التجاري وفي مجال مؤسّسات التعليم الخاص ومؤسسات الرعاية الاجتماعية، وهي المجالات التي لعبت الدور الأكبر بعد الإطاحة بنظام مبارك في إقبال الناخبين على المرشحين الإسلاميين. وربما كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد ظنّ بعد الإطاحة بمبارك أن الإسلاميين سيواصلون معه علاقات التعاون التي كانت مع نظام مبارك، وهو ظنٌ خاب بعدما هيمن الإسلاميّون على مجلسي الشعب والشورى، ثم فازوا برئاسة الدولة في منتصف العام الماضي.

وأعتقد أن الإخوان المسلمين كانوا مستعدين لمواصلة التعاون مع مؤسّسات الدولة العميقة التي تركها مبارك، كما كان التعاون قائما من قبل، لولا التغير الكبير الذي طرأ على الحالة النفسية والمزاجية للشعب المصري بعد الإطاحة بمبارك، وهي حالة جعلت الملايين لا يرضون بسمات الوضع السياسي والاقتصادي والقضائي التي كانت أساس نظام مبارك. والحقيقة أن نظام مبارك كان حريصا على التيار الإسلامي بمختلف أجنحته على الرغم من القمع الذي مورس ضده من الأجهزة الأمنية. فمراجعات الجماعة الإسلامية في السجون كان دور الدولة فيها كبيرا حقا، وكانت الحكومة مستعدة لتصفية القضية برمتها لولا أن بعض قادة الجماعة ظلوا على موقفهم من العداء للنظام.

وهكذا، أقول إنه إذا قيس إسهام مواقع التواصل الاجتماعي في تمدّد الإسلام السياسي بهذه الأشياء يكون إسهامها هامشيا لا يكاد يستحق الذكر. والحقيقة أن مؤسسات الدولة العميقة التي بقيت بعد الإطاحة بمبارك تبدو اليوم نادمة للغاية على التعاون مع الإسلاميين لأن تمدّدهم هو الذي يمثل الآن شوكة في ظهر الحكومة التي تحاول بكل الطرق الخلاص من احتجاجات الإسلاميين اليومية من أجل أن تعود السياحة والاستثمار وتتفتح موارد الرزق لملايين المصريين من جديد.

بقي أن أشير إلى شيء مهم أسهم في التمدّد السياسي الإسلامي وهو الضربات التي تلقتها التيارات السياسية غير الإسلامية من أجل ألا تصبح في يوم من الأيام بديلا للنظام يقبله الغرب الحليف لمصر. أما التيار الإسلامي فقد كان متصوّرا أنه لن يكون بديلا مقبولا غربيا.

* كاتب ومحلل سياسي مصري