وهل من شأنها، في المقابل، توفير الوسائل الكفيلة بكبحه؟

نعم... تحجيم مدّ تيار الإسلام السياسي.. مهمة «عنكبوتية» ممكنة

TT

نعم تستطيع وسائل التواصل الاجتماعي لعب دور مؤثر في التقليل من حجم مد تيار الإسلام السياسي، خاصة إذا علمنا أن عدد مستخدمي «فيس بوك»، مثلا، في منطقة الشرق الأوسط يصل إلى 56 مليون مواطن يمثلون القطاع الأكثر وعيا وتأثيرا على المجتمع. وأعتقد أن وجود آلاف الصفحات الخاصة كفيل بتفنيد أفكار هذا التيار وكشف متناقضاته.

تيار الإسلام السياسي يستخدم البعدين الاجتماعي والديني لدغدغة مشاعر الفقراء والبسطاء والذين يمثلون نحو 47 في المائة من إجمالي عدد سكان الوطن العربي. غير أن صفحات التواصل الاجتماعي المناوئة لهذا التيار تستطيع التركيز على متناقضاته وكيف يحتكر قادته الثروة ولا يبغون سوى السلطة ولا يتعاملون بكتاب الله ولا بسنة رسوله، وأرى أن صفحات التواصل الاجتماعي نجحت بالفعل في تقليص تأثير تيار الإسلام السياسي، وذلك بكشف قوائم بأسماء أثريائه ورصد وقائع فساد أخلاقي وتجاوزات دينية لهم والتناقض بين الأقوال والأفعال.

إن إدراك تيار الإسلام السياسي أهمية وسائل التواصل الاجتماعي، وتأثيرها الإيجابي في نشر أفكاره وتوغله بين الجماهير، دفعه إلى رصد أكثر من 20 مليون جنيه مصري لتشكيل ما يسمى «الميليشيات الإلكترونية»، وكانت مهمتها الأساسية مواجهة مَن يتصدّى لمد هذا التيار ببث الشائعات التي تزيف الحقيقة وتسيء لخصوم التيار والترويج لأكاذيب من شأنها النيل من سمعة مناوئيه. وعليه، ووفق المنطق نفسه، يجب - ومن الممكن - إنشاء مثل هذه «الميليشيات» لمواجهة هذا التيار، مثلما حدث في مصر خلال الأسابيع التي سبقت «ثورة 30 يونيو (حزيران)»، إذ نجحت صفحات «فيس بوك» في التأثير سلبيا على شعبية التيار وكشف مثالبه أمام الرأي العام.. الأمر الذي أدّى في نهاية الأمر إلى إسقاطه وتبخّر حلمه في التمدّد والتوغّل في بلدان مجاورة أخرى.

ولعل «فيس بوك» يعتبر اليوم دولة مستقلة قائمة بذاتها، قادرة على التهام أي تيار وفصيل بما فيهم تيار الإسلام السياسي بمختلف أطيافه. ولقد استخدمت هذه «الدولة العنكبوتية» في إشعال ما درج على تسميتها ثورات «الربيع العربي»، واستخدمت في إثارة القلاقل والفوضى في عدد من الدول العربية وتمكين تيار الإسلام السياسي من التمدّد والوصول للسلطة، وبالسلاح نفسه.. جرى إسقاطه بعد إضعافه، وحرقه سريعا.

لم يعد «فيس بوك» مجرد وسيلة ترفيهية لقتل الفراغ لدى العامة، ولكنه أصبح أداة تغيير وتمكين سياسية تسقط دولا وأنظمة وتيارات سياسية، ومن يملك القدرة على تفعيل هذا الدور يستطيع أن يتحكّم في صياغة الخريطة السياسية في أي مكان وزمان.

وأعتقد إن المؤسسات الرسمية للدول أصبحت تدرك تماما أهمية صفحات التواصل الاجتماعي في كشف أكاذيب وأباطيل تيار الإسلام السياسي الذي استخدم الجميع للوصول إلى أهدافه ومطامعه غير المحدودة في الاستحواذ على كل السلطات، فأسّست صفحات رسمية لإجلاء الحقائق ووضع الأمور في نصابها الطبيعي.

أصبح «فيس بوك» بوقا إعلاميا خطيرا ينافس أجهزة الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة. وهذا يعني نهاية احتكار تيار الإسلام السياسي لهذه النافذة الإعلامية الإلكترونية التي تشكّل الرأي العام في معظم دول العالم، وخاصة الشرق الأوسط.

نعم.. نستطيع مواجهة ومحاصرة مد تيار الإسلام السياسي بهذه الشبكة العنكبوتية، وبنفس سلاح هذا التيار الذي يمتطي شعارات دينية للوصول إلى مآربه السياسية. وعلى الدول التي تشهد مدا متناميا لهذا التيار الذي لا يعيش إلا في مناخ من الفوضى والاضطراب أن تبادر باللجوء لسلاح «فيس بوك» لنزع أوراق التوت التي تستر عورات تجّار الدين من المنتمين لهذا التيار، كي لا تتكرّر «سيناريوهات» مصر وتونس التي كادت أن تعصف بالبلاد والعباد. نعم مواقع التواصل الاجتماعي قد تكون جزءا من المشكلة.. ولكنها تحمل الحل أيضا.

* إعلامي وسياسي مصري