وهل من شأنها، في المقابل، توفير الوسائل الكفيلة بكبحه؟

لا... لقد تطوّرت قدرة الإسلام السياسي على فهم الإعلام الجديد واستغلاله بكفاءة

TT

استطاعت المعطيات الإعلامية الجديدة التي تبلوَرت بأشكالها المتنوعة عبر الإنترنت، أن تساهم في تقوية الشعور الوحدوي في العالم الإسلامي. ولقد أحسنت حركات الإسلام السياسي بأنواعها المختلفة مثل تيارات السَّلَفيين أو الإخوان المسلمين أو «القاعدة» أو حزب التحرير، أساليب تعميم الأفكار ونشر البرامج وأصول التأثير والتعبئة والتجنيد، بطرق مبسطة وسهلة، تستعمل النص والصوت والصورة من جهة، والنقاش والحوار والتفاعل من جهة أخرى. واستفادت كذلك، من تقنيات الإنترنت للتواصل مع المسلمين أينما وجدوا في العالم بطريقة سريعة ومجانية، ومكّنتهم من عرض أفكارهم بعدما كانت دوائر الفكر العلماني والتغريبي تمسك وحدها بمفاتيح مؤسسات الثقافة والإعلام في العالم.

من هنا فقد استغلت حركات الإسلام السياسي خدمات الإنترنت ليس في الوصول إلى الجمهور وحسب، بل في كسر القالب الرقابي لوسائل الإعلام التقليدية للأنظمة الحاكمة محليا ودوليا، كون وسائل الإعلام الجديدة لم تعد تخضع لقنوات التوزيع الرسمية في الدول التي تنشط فيها هذه الحركات، وبالتالي فإن هذا الأمر ساعد في زيادة فرص تحكم هذه الحركات بأفكار الأجيال الصاعدة، خاصة وأنها تستخدم العامل الديني الذي يعتبر المحرّك الأساسي لمشاعر الأمة الإسلامية. كذلك فإن لهذه الحركات الإسلامية وجها آخر هو التأطير. فهي تركز على قضايا محددة وتضعها ضمن دائرة التغيير الإيجابي والتحرر من الأنظمة الاستبدادية وتحقيق الخلافة الإسلامية.

وتعتبر هذه الحركات أن للدعوة إلى الله عبر الإنترنت فوائد لا نجدها في وسائط أخرى، ولا بد من الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة، بعد أن حل الإنترنت مكان المساجد في عمليات التعبئة والمشاركة والتدريب والتجنيد، وفي عملية التواصل بين القيادة والأعضاء. وقد تصل حدود هذا التواصل إلى مستويات عديدة تبدأ بجذب الجماهير والمتعاطفين، وتمر بتجنيد المجاهدين الإلكترونيين، وصولا إلى قيام الدولة الإسلامية الافتراضية أو ربما الواقعية.

ولقد عرضت في كتاب لي بعنوان «سوسيولوجيا الإنترنت» في فصل خاص، موضوع الإنترنت والحركات الإسلامية السياسية، واستطعت أن ألحظ من خلال تصفح معظم المواقع الإلكترونية التابعة لها بعض الملاحظات التي تتلخص في:

- حرص هذه المواقع على عرض المادة الدينية من خلال الكتب والمصادر والمراجع والفتاوى والمقالات.

- تخصيص صفحة خاصة للمحاضرات والدروس الدينية.

- تخصيص قسم للنقاش والحوار والتفاعل بين المسلمين والداعية.

- عرض الصوتيات والفيديوهات المسجلة لإمكان الزائر التزوّد بمعلوماتها.

- نشر أفكارهم بلغات عالمية متعددة إضافة إلى اللغة العربية.

كما تجدر الإشارة إلى أن تسويق هذه الحركات لأفكارها عبر الإنترنت يفتح المجال الحقيقي لإقامة الدولة الإسلامية الافتراضية. حيث يصبح وجود المواطن الافتراضي أينما وجد سهلا وممكنا بدلا من المخاطرة وعناء التنقل وتضييع الوقت، ويصبح اللقاء «بالأخوة» مسألة تقنية تحقق الاندماج الافتراضي لكل من تشاركوا في الأهداف والعقيدة نفسها.

إن الدولة الافتراضية أضحت جزءا من حقيقة الجغرافيا السياسية على امتداد العالم. ويرتكز قوامها على التواصل لا على الإقليم الأرضي. وسواء تمكنت أي مجموعة بشرية ضم جمهور أمتها، أم لم يكن لها جمهور كبير، فإن وجودها الإلكتروني يستحق أن يُعترف به.

ويعكس نجاح بعض المواقع الإسلامية مثل موقع «إسلام أون لاين» www.islamonlaine.net، الذي يقدم الأخبار والمعلومات العامة حول الإسلام والشريعة والفتاوى المباشرة وغيرها. ويضع الموقع من بين أهدافه: تقوية روابط الوحدة والانتماء بين أفراد الأمة الإسلامية، دعم عملية التبادل المعرفي والتمازج الثقافي بينهم، توسيع دائرة الوعي بما يدور من أحداث وتطورات مهمة عربيا وإسلاميا ودوليا، وتعزيز الثقة وإشاعة روح الأمل لدى المسلمين.

من جهة أخرى، استطاع تنظيم القاعدة على الصعيد الإعلامي تقوية حضوره وتوحيد جمهوره. فقد أسس شركة إنتاج خاصة به، وهي مؤسسة «السحاب» التي تنتج أشرطة فيديو تحمل خطب أسامة بن لادن، إلى جانب مواد إعلامية - تجارية حول «القاعدة» والجهاد.

وبين عامي 2005- 2006، تمكنت «القاعدة» من مضاعفة إنتاجها من أشرطة الفيديو أربعة أضعاف. ففي عام 2006 أصدرت «السحاب» ثماني وخمسين رسالة بين مادة صوتية ومصورة، وفي عام 2007 أصدرت أكثر من تسعين، وقد أمكن نشر تلك الرسائل عبر ما لا يقل عن 4500 موقع جهادي.

وكانت «القاعدة» في الماضي تسلم أشرطة الفيديو يدويا إلى المحطات التلفزيونية الإخبارية التي كانت تحرّر المحتوى وتقتطع منه ما تشاء وتعرضه عبر شاشاتها. أما الآن فيكفي «القاعدة» تحميل الأشرطة بمحتواها الكامل، من دون قطع، على عدد من مواقع الإنترنت، ثم تنشر عناوين تلك المواقع في المنتديات الإلكترونية. وتقوم التفاعلات الافتراضية بدورها بين جمهور «القاعدة» ومؤيديها في توزيع المحتوى الذي يزداد بشكل كبير.

وللتواصل بشكل أكبر مع الجمهور أطلقت «القاعدة» مجلة إلكترونية بعنوان «ذروة السنام» تتكون من ثلاث وأربعين صفحة من النصوص والصور. وحاليا، تحرص «القاعدة» على تصميم محتواها الإعلامي بأسلوب يسمح للجمهور بتنزيله بأساليب مختلفة.. كنسخة «الويندوز ميديا» و«الريل بلاير» لمن يملكون خدمة الإنترنت الفائقة السرعة، ونسخة أخرى لمن يرتبطون بالإنترنت عبر الهاتف العادي، وأخرى لتنزيلها ومشاهدتها على أجهزة الهاتف الجوال.

* أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة اللبنانية