وهل تدعم القوى الغربية وعلى رأسها أميركا مثل هذا الدور؟

نعم .. القوى العالمية تصرف أنظارها.. والبديل الجاهز اللاعبون الإقليميون

TT

مع الأخذ في الاعتبار تنوّع التحديات الجيوبوليتيكية والاقتصادية التي يواجهها العالم العربي، لا يمكن لأي تقارب بين تركيا ودول منطقة الخليج العربي أن يحدث إلا لمصلحة المنطقة.

هناك عدة أسباب للفوائد التي ينتجها هذا التحالف لترسيخ الاستقرار وتأسيس الازدهار في قطاع جغرافي مضطرب.

الأول، هو أن من الواضح أن الشريكين، تركيا والدول الخليجية، تتشاركان في منع الاضطرابات السياسية التي من شأنها ترك تداعيات مؤذية على الأمن الإقليمي العام. وليس مصادفة أن تقف تركيا متضامنة مع معظم الدول الخليجية في مساعي تخليص سوريا من نظام الأسد. فلقد أدركت هذه الأطراف المعنية بالدور الذي يلعبه الأسد في سوريا، غدا عامل اضطراب وقلاقل ليس في سوريا فحسب بل في الشرق الأوسط ككل. وبالتالي، بعكس إيران، وجهوا أولوياتهم باتجاه العمل على تغيير الحكم في سوريا. وبمرور الوقت تعزز هذا التحالف وشهد مشاورات سياسية ودبلوماسية مستمرة حيال مجريات الوضع السوري، وكذلك العمل على تنسيق الدعم الخارجي للمعارضة السورية بهدف تسريع نهاية حكم الأسد.

ثم إن لتركيا ودول الخليج منظورا مشتركا إزاء الدور المستقبلي المحتمل لإيران إقليميا. فتركيا مثل الدول الخليجية تعارض الأبعاد العسكرية للبرنامج النووي الإيراني. وبناء عليه كانت أنقرة داعما قويا للمساعي الدولية المبذولة لإيجاد تسوية سلمية للأزمة النووية الإيرانية. لا بل كان لأنقرة الريادة عام 2010 عبر التعاون مع البرازيل في سبيل إطلاق بوادر صفقة مع طهران كانت ستخرج معظم اليورانيوم المخصّب بعيدا عن متناول إيران.

ثم إن بمقدور تركيا والدول الخليجية معا أن تكون أطراف شراكة فعالة تساعد المنطقة على التغلب على المصاعب الاقتصادية. القاسم المشترك بين هذه الأطراف الاقتصادات القوية والموارد الاقتصادية الكبيرة، بجانب حرصها المتزايد جميعا على تسخير هذه الإمكانيات لمساعدة اقتصادات دول المنطقة التي تعاني من أزمات.

ولقد كانت تركيا واحدة من الدول القليلة التي مدّدت سريان مفعول القرض غير المشروط بقيمة ملياري دولار للحكومة التي تولت السلطة في مصر بعد عهد (حسني) مبارك، كذلك تُعدّ تركيا في طليعة دول العالم في مجال الإعانات الإنسانية بمعدل إعانات سنوية يربو على مليار ونصف المليار من الدولارات سنويا، وبالمثل، أعانت الدول الخليجية ليس فقط الحكم الذي جاء بعد مبارك، بل الذي جاء بعد عهد محمد مرسي أيضا في مصر. ومن المعروف أن ثمّة توقّعات قوية من تركيا وشريكاتها دول الخليج للاستثمار في مشاريع البنى التحتية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ولكن، ما هو أبعد من هذه التحديات الإقليمية التي تحث على تحالف أوثق بين تركيا ودول الخليج، أن المنظومة السياسية العالمية هي أيضا في وضع المُسهِّل والمُساعِد والمُشجِّع على حصيلة كهذه. إن الأزمة الاقتصادية المتطاولة في أوروبا أضعفت كثيرا قدرة الاتحاد الأوروبي على الارتباط بالمنطقة كلاعب بنّاء ومؤثر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وبما يخصّ الولايات المتحدة الأميركية أدت سياسات الرئيس باراك أوباما إلى خفض الطموحات الأميركية، والرأي العام الأميركي يرفض بقوة أي انفتاح أميركي إضافي على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وديناميكيات هذا التخلّي التدريجي من جانب اللاعبين العالميين الكبار من شأنه تعزيز الدور الكامن حتى الآن للاعبين الإقليميين. بكلام آخر، اللاعبون العالميون باتوا أكثر وعيا لمحدودية قوتهم وقدراتهم، وبالتالي، سيكون مردود عملية إعادة التوازن الحتمية هذه هو إدراك أنه من ناحية لا بد من بذل مزيد من الجهد لإعادة رسم البرامج المشتركة بين اللاعبين العالميين واللاعبين الإقليميين، ومن جهة ثانية، فإن التحالفات الإقليمية تستطيع أن تلعب أدوارا أكثر أهمية في التعامل مع الأزمات الإقليمية.

إن التوجّه نحو التملك الإقليمي والمبادرات الإقليمية يسير قدما لرسم معالم مستقبل السياسات الدولية. ولعل هذا هو السبب الرئيس لتقبّل القوى الغربية فكرة تحالف طويل الأمد بين تركيا والدول الخليجية، مع ملاحظة أن العقبة الأساسية التي تعترض راهنا نشوء مثل هذا التحالف هو التنافر الواسع في الآراء إزاء التطورات السياسية في مصر، وبخاصة أن أنقرة انتقدت بشدة النظام المصري الجديد وأيّدت الإخوان المسلمين صراحةً. ولكن مع قدر أكبر من تفهّم ديناميكيات السياسة المصرية، ستستعيد أنقرة تدريجيا شيئا من الواقعية حيال هذا الأمر، مما يتيح لتركيا ودول الخليج بناء تحالف أقدر على مواجهة العواصف والتحديات الإقليمية التي تنتظر الجميع مستقبلا.

* باحث وكاتب تركي، رئيس مركز أبحاث «إيدام» في إسطنبول، وباحث زائر في معهد كارنيغي - أوروبا في بروكسل.