هل بقي للشركات العائلية مكان في سوق الأعمال الخليجية اليوم ؟

نعم .. إذا تماسكت إرادة ملاكها.. يمكنها الاستمرار وتحسين الأداء وتطوير الإنتاجية

TT

اقتصادات العالم الحديثة تطورت بدرجات مهمة وتجاوزت الكيانات القانونية التي تعتمد على الملكية الفردية أو الملكية العائلية، إلا أن هذه الكيانات ما زالت تلعب دورا مهما في العديد من الاقتصادات المتقدمة أو الاقتصادات الناشئة، وما زالت تمثل أهمية في قطاعات اقتصادية أساسية سواء على شكل أعمال صغيرة أو متوسطة أو كبيرة. وكما هو معلوم، تأسس مجتمع الأعمال في بلدان الخليج على جهود أصحاب الأعمال من العائلات التجارية التي طورت علاقات اقتصادية مهمة بين دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة، مع دول أخرى مثل الهند والعراق وبلاد الشام وبلدان شرق أفريقيا، قبل أن يصبح النفط المصدر الأساسي للمداخيل السيادية لبلدان الخليج.

وعلى الرغم من التطورات القانونية والإدارية التي تحكم العمل الاقتصادي في مختلف بلدان المنطقة فإن الكيانات الاقتصادية العائلية لا تزال تلعب أدوارا مهمة في العمل الاقتصادي، حيث تعمل تلك الكيانات في أنشطة مهمة مثل الوكالات التجارية والصناعات التحويلية أو الشركات المالية. وقد تكون تلك الكيانات، أو الشركات العائلية، شركات قابضة تمتلك حصصا وأسهما في شركات تابعة أو بنوك أو محافظ استثمارية لتملك الأصول المسعرة داخل بلدان المنطقة أو خارجها.

ثمة شركات عائلية في بلدان منظومة مجلس التعاون الخليجي تمتلك أصولا مالية أو عينية تقدر بمليارات الدولارات، وتوزع تلك الأصول بين العقارات أو الشركات الصناعية أو الأسهم المدرجة في الأسواق المالية. ولا شك أن هذه الشركات العائلية تواجه تحديات مهمة اليوم في ظل التطورات الاقتصادية والقانونية التي تتطلب أساليب عصرية في اتخاذ القرارات الاستثمارية أو القرارات التي تتعلق بإدارة الأعمال. كذلك فإن مشكلة توارث الملكية بعد غياب، أو وفاة، الآباء المؤسسين لتلك الشركات قد تكون من أهم التحديات، حيث يمكن أن يكون ورثة الثروة دون مستوى الكفاءة والاجتهاد اللذين تمتع بهما المؤسسون.

وقد ترتفع درجة الخلافات بين ورثة الأعمال بما يعطل الأعمال أو يفقدها حيويتها، ولكن هنا يمكن الاستفادة من تجارب بلدان متقدمة في عملية تطور الشركات العائلية وتحويلها إلى شركات مساهمة بما يسهم في تخفيض درجة المعضلات المالية والإدارية. ولقد كانت ألمانيا من الدول التي اعتمدت في تطورها الاقتصادي على شركات عائلية في مختلف الأنشطة، وحتى ثمانينات القرن الماضي كان النمط السائد لتملك الأعمال والمشاريع هو الشركات العائلية. وبعدما بلغ المؤسسون أعمارا متقدمة عقدوا العزم على تحويل شركاتهم إلى شركات مساهمة، وبيع حصص ملكيتهم لمساهمين جدد، والاستفادة من الأرباح الرأسمالية وفي الوقت نفسه التوافق مع المساهمين الجدد على تمكينهم، أي تمكين أصحاب الأعمال الأوائل، من إدارة الشركات بعد إعادة هيكلتها. وفعلا حقق كثيرون من أصحاب الشركات العائلية أرباحا مهمة من عمليات إعادة الهيكلة تلك.

التحدي الآخر المهم الذي قد يواجه الشركات العائلية هو غياب إمكانيات التطوير والإبداع نتيجة لعدم وجود حوافز مثل التسعير في السوق المالية، أو عدم وجود إدارات متخصصة بسبب الاعتماد على أفراد العائلة في الإدارة من دون أن يكونوا من المؤهلين مهنيا أو تقنيا. بيد أن الكثير من الشركات العائلية في دول الخليج باتت قائمة على إدارات حديثة وهي توظف أصحاب كفاءات علمية ومهنية في التخصصات ذات الصلة أو المرتبطة بالأعمال والأنشطة التي تقوم بها الشركات.

هناك شركات عائلية حولت بالفعل، وبنجاح، خلال السنوات الماضية كياناتها إلى شركات مساهمة، مقفلة أو عامة، ومنها مجموعة «الزامل» السعودية وغيرها، كما أن مجموعة «الخرافي» في الكويت أصبحت بمثابة شركة قابضة تمتلك أسهما وأصولا في مختلف الشركات المدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية أو في شركات خليجية أو عربية أو عالمية. وغني عن البيان أن هذه التحولات في الكيانات القانونية قد تؤدي إلى معالجة مشاكل التوارث وتنهي الخلافات التي قد تنشب بين الورثة حول ملكية الحقوق أو طرق إدارة الشركات العائلية. أيضا، يمكن للشركات بعد إعادة هيكلتها أن تستفيد من طرح الأسهم في السوق الأولية والحصول على مصادر مهمة لزيادة رأس المال العامل ومن ثم التوسع في الأنشطة أو تطوير الأعمال القائمة. كما أن إدارة الشركات في سوق الأوراق المالية تمكّن أصحاب الشركة الأصليين من الاستفادة من تحسن أسعار الأسهم وتحقيق أرباح رأسمالية. يضاف إلى ذلك أنه يمكن لأفراد العائلة الذين يريدون التحرر من ملكية الأسهم أن يبيعوا تلك الأسهم ويقوموا بتوظيف الأموال في أعمال جديدة.

يبقى بعد ذلك التأكيد على أن الشركات العائلية، إذا ما تماسكت إرادة ملاكها، يمكنها الاستمرار وتحسين الأداء وتطوير مستويات الإنتاجية والاستفادة من آليات التطوير والابتكار. وبالتالي، لا حتمية لغياب دور الشركات العائلية، وبخاصة أن التحديات المعاصرة يمكن التعامل معها من خلال اتباع آليات إدارية وتقنية جديدة وملائمة. وقد تكون هناك أساليب قانونية أفضل لتملك الأعمال، وربما تسهل الشركات المساهمة، خصوصا المُدرجة، آليات أفضل للتعامل بين الشركاء أو اختيار أفضل للإدارات التنفيذية. وهذا لا يعني مطلقا نهاية لدور الشركات العائلية في هذه المنطقة من العالم. إنه لمن المؤكد أن إفساح المجال لأصحاب تلك الشركات لتطوير كياناتهم بما يتوافق مع مصالحهم الاقتصادية هو الأسلوب الأمثل لتعزيز العمل الاقتصادي.

* باحث اقتصادي كويتي