وهل ثمة تخصصات معينة ما زالت متاحة لمثل هذه الشركات؟

نعم. .. ومنها الزراعة والتعدين والتشييد والبناء والصناعة التحويلية وتجارة الجملة

TT

الشركات العائلية تهيمن على أنشطة القطاع الخاص في المملكة العربية السعودية ومنطقة الخليج العربي، وهي تمارس أنشطتها في كل القطاعات الاقتصادية دونما استثناء، من القطات التقليدية كالزراعة وتجارة الجملة والتجزئة إلى الصناعة وتقنية المعلومات والاتصالات. بل إن العديد من الشركات العائلية الرئيسة اتجهت لتشكيل أذرع استثمارية ولتطوير الأعمال الجديدة، ومهمة هذه الأذرع البحث عن فرص لاستثمار السيولة الفائضة في امتلاك حصص في شركات أو الاستحواذ على شركات برمتها في المجالات الحيوية للشركة العائلية الأم، أو بما يساند توجهها المستقبلي أو يعزز وضعها التنافسي في السوق. إضافة لذلك فإن مهمة «تطوير الأعمال» تنحصر في البحث عن فرص استثمارية جديدة تباشر الشركة رعايتها وتأسيس شركات جديدة للاستثمار فيها، ويمكننا أن نرى العديد من هذه الشركات في مجالات متقدمة تقنيا، وفي خارج حدود السعودية ودول الخليج العربي، فهناك العديد منها في «الأودية» و«الأحزمة» التقنية في أوروبا وأميركا الشمالية.

ولعل من المبالغة القول إن الشركات العائلية مرت بفترة مخاض قبل عقدين من الزمن، وإن الرئيس منها استطاع أن يهيكل أنشطته بما يبعد الشركة عن النزاعات العائلية أو تنافس الأجيال أو التصفية أو التجزئة بين الشركة، حيث اتخذت العديد من العوائل بآلية تقليدية هي التحول إلى شركة قابضة تملك الشركات الفرعية، وضبط النظام الأساسي ولائحة الحوكمة. ولقد أدى ذلك في معظم الحالات إلى تعزيز الاستقرار وتخفيف المخاطر التي تؤثر سلبا على سمعة الشركة عند المتعاملين والمقرضين. وأفسحت هذه الترتيبات المجال واسعا أمام الشركات العائلية للفصل - إلى حد ما - بين الملكية والإدارة، ولجأت إلى استقطاب تنفيذيين متخصصين لإدارة الشركات الفرعية، وأدى هذا التوجه إلى اتساع نشاط تلك الشركات في أسواقها وتحسين قدرتها التنافسية.

وتجدر الإشارة إلى أن ثمة من يعتقد أن الشركات العائلية نمطية تقليدية، وباقية «على طمام المرحوم». ولكن هذا تشخيص خاطئ، والعكس هو الصحيح، فالاقتصاد السعودي قائم على النفط وعلى الشركات العائلية، باعتبار أن جل القطاع الخاص عبارة عن شركات عائلية. ولا بد من ملاحظة أن أبرز الشركات والمؤسسات في كل الأنشطة الاقتصادية دونما استثناء هي إما شركات عائلية أو شركات حكومية، ويلاحظ أن الشركات الحكومية تتركز في شركات الامتياز مثل المرافق كالكهرباء والماء والاتصالات، على سبيل المثال لا الحصر، في حين أن الشركات العائلية هي اللاعب المؤثر في الزراعة والتعدين والتشييد والبناء والصناعة التحويلية غير النفطية وتجارة الجملة والتجزئة، وحتى عند استعراض الشركات المساهمة المدرجة نجد العديد منها اتخذت من أسماء العائلة أسماء لها أو أن العائلة تمتلك حصصا مهمة، كما هو الحال في البنوك مثلا.

بناء على ما تقدم يمكن القول إن الملكية والأنشطة في القطاع الخاص مركزة ضمن نطاق محدود من الشركات العائلية، وهذا يحد بالضرورة من فرص النفاذ للسوق، إذ إن القدرة التنافسية التي تمتلكها الشركات العائلية الأم أو تلك المتفرعة منها لا قبل للرياديين الشباب بمجابهتها ومنافستها دون أن يخسروا «قمصانهم وملابسهم». ولهذا الاعتبار لا بد من ضبط السوق لتكون فرصة دخول غمارها متاحة للجميع، وهذا لن يتحقق إن لم تطبق قوانين صارمة تحمي المنافسة وتمنع الاحتكار وتوفر الموارد للرياديين وتخفف من مخاطرهم.. وذلك عن طريق احتضانهم إلى أن يقوى عود مشاريعهم، وإلا فإن آلة الشركات العائلية ستتمكن من أن تبتلعهم أو «تعلكهم» أو أن تكسر عظمهم بسهولة نظرا لانعدام تكافؤ القدرة التنافسية بين الطرفين.

ولهذا السبب لا بد من أن توجِد الحكومة منظومة متكاملة لرعاية المنشآت الناشئة والصغيرة وتمويلها وحمايتها. والمنظومة المتكاملة تعني تكامل التشريعات ولوائحها وصرامة تطبيقها، مع توفر فرص التمويل والتسويق والحضانة.

كل ذلك انطلاقا من أن مصلحة المجتمع تتحقق بانتعاش المنافسة في السوق، إذ إن المنافسة هي وقود الكفاءة والحافز للإبداع. وليس القصد مما تقدم محاربة الشركات العائلية بل ضمان إتاحة المجال للعصاميين والرياديين الجدد حتى لا تحتكر الفرص ولا الأسواق، فهي حق لكل من يريد أن يغامر.

* خبير اقتصادي سعودي.. رئيس مركز «جواثا» الاستشاري بالرياض