وهل ثمة تخصصات معينة ما زالت متاحة لمثل هذه الشركات؟

لا.. الفرص متنوعة ومتوافرة.. لكن في حال تخطي الخلافات وتجاوز التحديات

TT

على الرغم من أن أصحاب الشركات العائلية في دول مجلس التعاون الخليجي يدركون أهمية حوكمة الشركات والتطبيقات الجيدة لممارسة الأعمال، فإن معظمهم لم يتبن بالكامل ثقافة الشركات العالمية الحديثة. ومع ذلك، فمن الواضح أن الشركات العائلية في دول مجلس التعاون الخليجي تتطلع بشكل متزايد إلى تعزيز مجالس إدارتها لتنشيط الحوار حول الأعمال التجارية، وخطط النمو، والاستراتيجية والربحية بدلا من قضايا الأسرة أو نزاعاتها. لقد أصبحت الشركات العائلية الخليجية أكثر إدراكا للأهمية المتزايدة لممارسات حوكمة الشركات، على الرغم من أن هذه الممارسات لم تصبح بعد ذات أولوية استراتيجية عالية. ومن المهم على هذه الشركات أن تبدأ التفكير بشكل جدي لتتحول إلى مساهمة من أجل ضمان الحفاظ على استمراريتها، فالنزاعات الأسرية ومحاولة تهميش دور المرأة في مجلس إدارة الشركة في بعض تلك الدول، ستحد من النشاط الاقتصادي لها كما تقلل من أهميتها عالميا، ومع انتقال ملكية هذه الشركات من جيل لآخر يتضح أن العوامل الرئيسة لتحسين الحوكمة والشفافية ترتبط بالرغبة في تطوير وتوريث شركات فعالة وقوية إلى جيل العائلة القادم.

كذلك تجدر الإشارة إلى أن سيطرة ثقافة الخصوصية في العديد من الشركات العائلية تؤدي إلى انكماش مشاركة بعض الأعضاء غير التنفيذيين، ويظهر هذا على الرغم من أن 76 في المائة من الشركات العائلية في دول الخليج تنتج شكلا من أشكال التقارير السنوية، إلا أن هذه التقارير لا تطلع عليها إلا جهات داخلية فقط. وهذه مشكلة فعلية تؤدي إلى تقليل أهمية تلك الشركات مستقبلا. ومن أبرز ما على هذه الشركات أنها لا تفصح عن الأمور المالية وتحاول إرضاء المشاركين بها، وهذا يؤدي أيضا إلى وجود خلافات عائلية تنعكس على العمل التجاري. و4 في المائة فقط من الشركات العائلية تقوم بتقييم أداء مجلس الإدارة، ويرجع ذلك إلى صعوبات في التنفيذ العملي للتقييم، وما يمكن أن يكون له من أثر سلبي محتمل على العلاقات العائلية. ذلك أن أعضاء مجلس الإدارة عادة يرفضون تقييم أدائهم، مما يرفع من حساسية الشركاء في مجلس الإدارة، وتظهر من هنا الخلافات. ولذا فإن الشركات العائلية في دول مجلس التعاون الخليجي هي من أكثر شركات العالم ضخامة وأكثرها نجاحا، لكن لديها حاجة ملحة لتنفيذ أعلى معايير حوكمة الشركات، لكن عدم وجود هياكل للحوكمة العائلية يمكن أن يشكل أكبر سبب للصراع، خاصة حول الخلافة.

من ناحية ثانية، تزداد أهمية وضع معايير واضحة لاختيار أعضاء الأسرة المؤهلين لقيادة الأعمال التجارية، ووضع معايير مدروسة للحوكمة والشفافية بالنسبة لأعضاء العائلة الذين لا يشاركون بشكل مباشر في إدارة الشركات، خصوصا مع الانتقال إلى الجيل الثالث، الذي يدير 15 في المائة فقط منها، علما بأن 33 في المائة منها يديرها الجيل الثاني، ومن هنا تبدأ الخلافات التي لا بد من حلها بعدة صياغات قانونية، منها صياغة إطار قانوني متكامل مناسب لبيئة العائلة، وتكوين نظام عائلي مؤسسي يتعلق بكل الشؤون الاستثمارية، إضافة إلى الالتزام برؤية واستراتيجية مسار استثمار الأموال.

وللإجابة عن السؤال حول عن أبرز التخصصات المتاحة لتلك الشركات، أقول إنه ليست هناك تخصصات حصرية، فثمة فرص استثمارية متنوعة لكنها متوافرة في حال تخطي الخلافات الأسرية وتجاوز التحديات التي تتمثل في اتساع أبناء العائلة، توسع المجالات الاستثمارية وقلة الكفاءات، إضافة إلى الأدوار غير الفاعلة لأبناء من خارج العائلة، ولا يمكن أن نغفل عن أهم تحد، وهو ضياع حقوق المرأة في الشركات العائلية وزيادة عدد الأصهار، مما يضعف فرصة الدخول في التخصصات الاستثمارية المتنوعة بسبب الملاحقة القضائية والانشغال في حل الخلافات وترك زيادة التنوع الاستثماري.

إن ضعف روح التأسيس عند غياب المؤسسين يحد من مساهمة الشركة بصورة فعالة، فمؤخرا تم اقتراح تحويل تلك الشركات إلى مساهمة بهدف استمراريتها، لأن العمق الاقتصادي له أبعاد متنوعة على الاقتصاد العام، وعندما تتحول الشركة إلى مساهمة فهي تطبق لائحة الحوكمة التي تنظم العمل وتساعدها على تحقيق الاستمرارية، فالوقائع التي حدثت لشركات عائلية، ومشاكل الشركات العائلية في منطقة الخليج، تختلف عن المحيط العربي وعن المحيط العالمي، لأن خصوصية الحياة الاجتماعية تفرض رأيها في الاقتصاد والشركات العائلية تحديدا.

ما أود قوله إنه يتوجب على الشركات العائلية القائمة والناجحة - بغض النظر عن تخصصها - التحول إلى شركات مساهمة عامة كضرورة ناتجة عن حجم المنشأة وشدة المنافسة وكبر حجم العائلة، ويتطلب ذلك من الشركات العائلية العمل جنبا إلى جنب مع مستشار مالي قادر على تشخيص حالة الشركة، ومؤهل لتقديم المقترحات الأنسب لتحولها إلى شركة مساهمة عامة، فالتخصصات المطروحة المقصود داخل بيئة الاستثمار ستحول الشركات العائلية في الخليج إلى شركات منافسة للشركات العالمية مستقبلا، فهي في الوقت الحالي منافس جيد لها، لكن المخاوف تبقى من المستقبل.

* نائبة الأمين العام لصندوق الأمير سلطان بن عبد العزيز لتنمية المرأة في الرياض