وهل ساهمت الأزمة السورية في تفاقم المشكلة الطائفية في الخليج؟

نعم .. تجنب التداعيات المستقبلية على بعض دول الخليج شبه مستحيل

TT

من المهم أن نبيّن أمرين مهمّين، فمن المفترض أن المقصود هنا بالمشكلة الطائفية هو الصراع المذهبي بين الشيعة والسنّة، الذي أحرق مجتمعات كثيرة وربما جاء دور دول الخليج لكي تكتوي به. والأمر الآخر المطلوب تبيانه هو أن كلمة «خليج» غير دقيقة، فلو كان المقصود بـ«دول الخليج» تلك التي تكوّن أعضاء مجلس التعاون، فإن استخدام كلمة «خليج» غير دقيق. ولو أضفنا إليها اليمن وإيران والعراق يصبح الموضوع مُربكاً أكثر. وعليه سنركّز على الأزمة المذهبية في دول مجلس التعاون الست، وهنا نجد أن عُمان لا تشكو، تاريخياً، من أزمة مذهبية وغير معنية، بالتالي، بما يجري في سوريا، فهي قد نأت بنفسها منذ البداية عما يدور بها من صراع فيها. والإمارات أيضا غير معنية بالصراع المذهبي في الخليج ولا تشكو منه داخلياً، لكنها استفادت مادياً، وبالذات دبيّ، من الحرب الأهلية السورية، إذ استقرت بها شركات سورية عديدة وانتقلت للسكن فيها أسر سورية ميسورة، وخصوصا تلك المحسوبة على النظام، بعدما لم تجد مأوى أفضل وأكثر ملائمة من دبيّ، خصوصا أن أبواب العواصم الغربية كانت ولا تزال مغلقة أمامها، والبقية لا ترحّب بها، وهي لا تود اللجوء والسكن بها. أما قطر فهي أيضا غير معنية بالمشكلة الطائفية، ولا تشكو من خلخلة أو عدم توازن طائفي، لكنها من جهة أخرى معنية بالصراع الطائفي أو المذهبي في سوريا وتقف مع جهة ضد أخرى، ولها حساباتها وقد تستفيد أو تخسر في النهاية من تدخلها، والزمن هو الحكم. يتبقى من الأطراف المعنية بالسؤال البحرين، وهذه تشكو من أن صراعاً طائفياً يشلّها منذ سنوات وأثر كثيراً في استقرارها وتقدمها الاقتصادي وزاد من اعتمادها على المملكة العربية السعودية، وأصبح أمنها مرتبطاً بها بصورة شبه عضوية. ولكن ليس من المحتمل أن يؤثر الصراع السوري فيها بشكل كبير، سواءً انتصرت المعارضة في حربها في سوريا أو بقي الحكم بيد نظام الأسد.

هنا يتبقى لدينا الكويت والسعودية، الأكثر تأثراً وتأثيراً من الناحية المادية والمشاركة القتالية بالمشكلة السورية. ومن المحتم، بالتالي، أن تتأثر مناخاتهما بما يجري في سوريا، وستكون برأيي ذات أثر سلبي على الأقلية الشيعية فيهما في كل الأحوال. فانتصار نظام الأسد، الذي تدعمه إيران مباشرة، وبصورة غير مباشرة عن طريق الدفع بـ«حزب الله» اللبناني للتدخل في المشكلة بكل ثقلها، سيدفعه في مرحلة تالية، وإن طالت، للانتقام أو الاقتصاص من الجهات التي وقفت ضده، وهذا يعني العمل على زعزعة ما «تتمتع» به الدولتان من استقرار، وهذا ليس بالصعب على الأجهزة المخابراتية السورية والإيرانية، وبما لديها من خلايا طائفية في المنطقة، ما سيدفع السعودية والكويت لأخذ الحيطة، والتنبّه لما لديهما من عناصر غير وطنية، وترحيلها، أو التضييق على من يشتبه به من بعض مواطنيهما وتشديد الرقابة عليهم.

وإذا ما خسر النظام السوري في صراعه مع القوى الداخلية المعارضة له، فإن هذه القوى، المسنودة بشكل أساسي على الصعيد الإقليمي من قوى داخل السعودية والكويت، ستقوم بحكم طبيعة تكوينها الطائفي المتشدّد بمضايقة - وهي كلمة مخفّفة - الجماعات المنتمية إلى الأقلية الشيعية، وسيكون لذلك أيضا انعكاسات إقليمية حادة.

وبالتالي، يُمكن القول إن استمرار الوضع أو الصراع المذهبي في سوريا، أو انتصار طرف على آخر، سيكون له مردود سيئ على السعودية والكويت، ومردود أقل حدّة على البحرين وقطر، على الرغم من عنف دور الأخيرة في تأجيج الصراع، وسيكون له أثر إيجابي على دبيّ، وغير ذي تأثير يذكر على الإمارات وعُمان.

الخلاصة، أن من شبه الاستحالة على دول الخليج، أو الأطراف المتورّطة في الأزمة السورية، تجنب التداعيات المستقبلية، وبالتالي تقع على أنظمتها مسؤولية تخفيف تلك التداعيات بنشر الوعي بالمواطنة، ومحاربة ناشري الفتنة والردّ بحزم على الجهات المتطرفة، ونشر العدالة بين فئات المجتمع.

كذلك يجب عليها، ومن منطلق استراتيجي بعيد المدى، تعديل المناهج الدراسية لتتواءم مع الفكر الإنساني وتكون أكثر انسجاماً مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يكمن بين بنوده خلاص مجتمعاتنا من جلّ الأمراض التي تشكو منها أبدانه المترهلة بالتعصّب الديني والاختلاف العقائدي، وأن ليس هناك من فرد أو فئة أفضل من غيرها بغير ما تقدمه من خير لمجتمعها وليس بالطريقة التي تؤدي بها عباداتها.

* كاتب كويتي