هل هناك حقا أزمة اسمها «أبناء الخليج في سوريا»؟

نعم .. هذه الحالة لم تتحول إلى ظاهرة كحال أفغانستان والعراق

TT

ربما كانت مبررة تلك الهواجس التي تسكن الحكومات عموما بشأن التحاق مواطنيها للقتال في سوريا - أو غيرها - بالنظر إلى تجارب سابقة، ومنها ما كان يعرف بـ«المجاهدين العرب» في أفغانستان. فالدول ترى في أفراد حملوا السلاح وتدربوا على فنون القتال خطرا كامنا عندما يعودون إلى بلدانهم، ويمكن أن يصبح هذا الخطر حقيقة في أي لحظة.

لكن، في حقيقة الأمر، تمثل قضية المقاتلين الخليجيين في سوريا مصدر قلق بالمقام الأول لعائلاتهم قبل حكومات دولهم. فهؤلاء الشبان المنخرطون في صفوف «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، على سبيل المثال، يجري دفعهم للهلاك بطرق متعددة، منها الزج بهم في عمليات انتحارية حتى من دون هدف ذي قيمة كبيرة، أو إرسالهم للقتال في جبهات ساخنة من دون تدريب حقيقي، بل وحتى التصفية لمن يُشك باحتمال خروجه على التنظيم بعد تصاعد الخلاف بين «داعش» و«النصرة». وكذلك هناك دلائل على قيادة «داعش» تقطع سبل العودة للمقاتلين الملتحقين بها عبر حرق جميع جوازات السفر والوثائق الشخصية الخاصة بهم.

تمثل مسألة المقاتلين الأجانب في سوريا نتاجا لحالة مستمرة منذ نحو ثلاث سنوات. فقضية المقاتلين العرب والأجانب (المهاجرين) لم تكن بارزة خلال الفترة الأولى من عمر الثورة السورية، غير أن طول الفترة وتوالي مشاهد القتل والمجازر التي يرتكبها النظام السوري دفعت البعض إلى التوافد على سوريا لمقاتلة النظام، قبل أن يتحول قسم من هؤلاء، مع دخول تنظيم «داعش» إلى الأراضي السورية، إلى عبء على الثورة السورية، بل طعنة في ظهرها.. مع تزايد الشكوك والأدلة التي تربط هذا التنظيم بأجهزة الاستخبارات التابعة لبشار الأسد ونوري المالكي والإيرانيين.

وهذا جانب آخر من المشاكل – أو مصدر القلق – التي تواجه الشبان الخليجيين الذين يلتحقون بصفوف تنظيمات مثل «داعش»، وهم – في المجمل – يتصورون أنهم يخدمون هدفا نبيلا ويؤدون رسالة في ظل تقاعس المجتمع الدولي عن مساعدة السوريين، لكن ليس هذا هو واقع الحال بالنسبة لقسم كبير من قيادات هذه التنظيمات. إن هؤلاء الشبان كما يستخدمون في سوريا وقبل ذلك استخدموا في العراق، عبر قيادات ظاهر هدفها الجهاد وباطنه رسائل يوحى بها من أجهزة استخبارات، يمكن استخدامهم في مناطق أخرى ومنها بلدانهم، ودائما تحت شعار «الجهاد».

بالطبع، يجب ألا يغيب عن البال تدخل عناصر ميليشيا حزب الله والميليشيات العراقية الشيعية ومن ورائها – ومعها – إيران، إلى جانب قوات بشار الأسد في قتل السوريين، مما أشعل صراعا طائفيا اجتذب مقاتلين رأوا أن ما يجري في سوريا أساسه «حرب على السنّة»، وامتدت آثار هذا الصراع إلى لبنان. العامل الطائفي حساس، بل جذاب جدا للكثيرين. وكما نجحت إيران وحلفاؤها من الميليشيات الشيعية الطائفية في توظيفه، يمكن لجهات أخرى استغلاله لاجتذاب «عناصر واعدة» من دول الخليج بشكل خاص، إضافة إلى دول المغرب العربي وأوروبا! لكن في الوقت نفسه يجب الإشارة إلى أنه في الحالة السورية لم يصبح ما يعرف بـ«المهاجرين» – وهم المقاتلون من غير السوريين في صفوف تنظيمات كـ«داعش» – ظاهرة بالحجم الذي كانت عليه في التجارب السابقة، نظرا لأنه في تلك الحالات كانت هناك قنوات مفتوحة لتدفق المقاتلين العرب وغيرهم، علاوة على التشجيع والتمويل والتسليح وإقامة معسكرات التدريب من جهات مختلفة. في حين أنه في الحالة السورية، وعلى الرغم من كل ما يُزعم، ليست هناك، على الأقل، دعوة من شخصيات معتبرة في الخليج للمشاركة في القتال في سوريا.

كذلك لا يمكن مقارنة الحالة السورية بالحالة العراقية أيضا. فقد كان نظام بشار الأسد يفتح الباب واسعا، بل كان يقدم تسهيلات للمقاتلين من جنسيات مختلفة للعبور إلى العراق لمقاتلة الأميركيين. وطبعا هذا باستثناء قيام المالكي بإطلاق، أو تهريب، مئات من عناصر «القاعدة» الذين كانوا في سجون العراق ليجدوا طريقهم سواء إلى داخل سوريا أو غرب العراق، أي أن العناصر الموجودة سلفا يسهل الطريق أمامها للانتقال إلى سوريا.

أمر آخر هو أن ما كرس «أزمة» المقاتلين الأجانب من دول الخليج أو غيرها، أيضا، هو تكرار الحديث عنها في الإعلام الإسرائيلي والغربي بشكل عام، حيث استعادت المنظومة الاستخباراتية الغربية والإعلام ومراكز البحث («ثينك تانكس») كل المصطلحات التي تعود إلى «الحقبة الأفغانية» ومرحلة ما بعد 11/9 لتسقطها على الساحة السورية وتجعلها كما يقولون «مركز جذب للجهاد العالمي». كذلك استخدم موضوع المقاتلين الأجانب لخدمة مصلحة السياسات الداخلية في الدول الغربية والخشية من تكرار الدروس القديمة، ورفض السماح بظهور «أفغانستان على المتوسط». لقد استخدم الإعلام فكرة التبرع والسفر إلى سوريا كوسيلة لإظهار المشكلة الطائفية في المنطقة، حيث ركزت التقارير الصحافية الأميركية على تمترس كل طرف في ردائه الطائفي وقبيلته.

لا شك أن حالة سوريا «أزمة»، ونتيجة لممارسات النظام وطريقة إدارته لـ«الأزمة» اكتسبت بعدا طائفيا، ولا شك أيضا في أن الدول الخليجية توازن بين مصالحها الوطنية ومصالح أبنائها ومصالحها الإقليمية، معنية بعدم تأثر نسيجها الاجتماعي، وبين دعم الشعب السوري وتحقيق أهدافه بالتخلص من الديكتاتورية.

ولكن على أي حال، ليس من الجائز اختزال القضية السورية في قضية المقاتلين العرب أو الأجانب. وعلى الذين يبدون مخاوفهم من هذه المسألة العمل على حل المشكلة الأساسية في سوريا، ألا وهي القتل والتدمير الممنهج الذي يمارسه النظام السوري. وعلى الجميع أن يدرك أن طول الأمد سيعمق الأزمة، ليس فقط بالنسبة للمقاتلين الأجانب، بل على مستوى البناء الداخلي السوري.

* إعلامي سوري مقيم في بريطانيا